محمد باكريم يكتب عن : سينما الربيع العربي

تحل هذه الأيام الذكرى السادسة  لما سمي إعلاميا بالربيع العربي وفي نسخته المغربية بحركة 20 فبراير.ولعل الذكرى… وربما مناسبة للمراجعة وليس للتراجع… لحظة لإلقاء نظرة على المرآة العاكسة بدون نوستالجيا. بل لاستشراف المستقبل انطلاقا من دروس الماضي لفهم الحاضر. لأن الماضي كما يقول ولتر بنيامين جزء من الحاضر…

ويهمنا هنا مساءلة هذه اللحظة من زاوية مقاربتها من طرف السينما المغربية  والعربية أي كيف تفاعل المنتوج الرمزي مع مختلف هذه الانتفاضات وحولها إلى مكون للمخيل الجمعي المشترك.

إن السينما هي بمثابة العلبة السوداء لاستكشاف عمق العلاقات الاجتماعية والإنسانية وظواهرها. فحين تعجز  العلوم الاجتماعية والإنسانية على فهم الظواهر  تحضر السينما  في شقيها التخيلي والوثائقي  لتقدم مداخل لفهم هذه المجتمعات تماماً كالعلبة السوداء التي  يلجأ إليها خبراء الطيران لمقاربة الحوادث التي تتعرض  لها الطائرات.

والحاصل أن الانتفاضات والحركات الاجتماعية التي عرفتها بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا راكمت عددا هائلا من الصور الثابتة  والمتحركة التي سجلت ووثقت لهذه الأحداث أحيانا بشكل مؤسساتي وغالبا بشكل”متوحش”.  مادة خام تحولت في  كثير من الأحيان إلى أفلام مختلفة الشكل والنوع والأسلوب. يكتب الناقد السينمائي المصري سمير فريد في  كتابه “سينما الربيع العربي” الصادر حديثا “وعندي إن سينما الربيع العربي هي الأفلام الني تتناول ثورات الشعوب العربية التي بدأت عام 2011 سواء كانت من الإنتاج العربي أو غير العربي وسواء كانت لمخرجين عرب أو غير عرب وسواء كانت روائية أو تسجيلية أو وثائقية أو حتى من الأفلام التشكيلية التي تعرف باسم التحريك”.

وتجدر الإشارة هنا أن الصديق سمير فريد يميز بين الوثائقي الذي يتعمد صور أو لقطات صورت لأغراض أخرى (يمكن أن يصطلح عليها بالأرشيف) والتسجيلي الذي صور موضوعه بشكل مباشر دون اللجوء  إلى صور أخرى. علما بأن ما نسميه نحن الفلم الوثائقي يمكن أن يعتمد المصدرين في تركيبه (الأرشيف والتسجيلي الخاص)

وقد أتاحت مختلف المهرجانات السينمائية المنعقدة في السنوات الأخيرة  فرصة الإطلاع على بعض النماذج من هذا الإنتاج الذي نسميه مؤقتاً بسينما الربيع العربي مع تسجيل تحفظنا على كلمتي ” ربيع” و “عربي”. فكيف كانت التمثلات السينمائية البارزة لهذه الأحداث الكبرى.

يحضرني هنا مشهد معبر في فلم حسن الدحاني “باسطا” وهو من الأفلام الروائية الطويلة المغربية التي تشير إلى حركة  20 فبراير بشكل عرضي ولكنه بارز حيث نجد إحدى شخصيات الفلم شابة نشيطة اجتماعيا. وفي المشهد المعني تظهر في ريبورتاج  تلفزي لقناة أجنبية حول الحركة الاجتماعية التي تشارك فيها. ونتابع الروبورتاج من وجهة نظر عائلتها ؛غير ان تدخلها كان بلغة أجنبية وتتساءل إحدى الشخصيات “ماذا قالت” وتجيب أختها “لم نفهم سنسألها عند عودتها”.  مشهد عميق الدلالة  قد يفيد استعاريا في وصف حالة اللاتواصل بين الحركة الاجتماعية وعمقها الشعبي.

جواد غاليب السينمائي المغربي المقيم في بلجيكا قارب في فلميه الطويلين حركة 20فبراير. أولا بشكل تسجيلي وثائقي. في فلم “نشيد السلاحف” حيث حضر بشكل مباشر لتصوير الاحتجاج الاجتماعي انطلاقا من أسئلة يطرحها في افتتاح الفلم معتمداً على شخصية محورية موجهة لزاوية الرؤيا. ثم بشكل غير مباشر في فلمه الروائي “المتمردة” حيث يبدأ الفلم من حيث انتهت 20 فبراير. تقرر بطلة الفلم أن تغادر المغرب بعد أن تعرضت إلى قمع مستمر وانتهت الحركة إلى الباب المسدود.

ويبقى فلم “هم الكلاب” لهشام العسري الفلم الأبرز الذي أحسن توظيف حركة 20 فبراير في تركيب بليغ مع حركة احتجاجية أخرى سابقة وهي 20جوان  1981 عبر ظهور شخصية 404 من ضحايا الاختفاء القسري في 1981. ليظهر فجأة في خضم “رياح الربيع العربي التي تهب على المغرب  “على حد تعبير الصحافي الذي يقود العملية السردية في الفلم.

وقد صور هشام العسري هذه الأحداث من زاوية الروبورتاج التلفزي والإحالة إلى دور القنوات الإخبارية  للدلالة على أن وسائط التواصل كان لها دور كبير في تشكيل الوعي العام بهذه الأحداث بل أحياناً في تأجيجها (دور قناة الجزيرة) ولم يفت العسري أن يشير إلى الطبيعة الحركية والمتناقضة لشعارات الحركة مثل الشعار الإشكالي “الشعب يريد إسقاط النظام” حيث وظفه بشكل مركب موازاة مع   مطلب “ران ادخدمن”  كما عبرت عنه بالامازيغية احدى الشخصيات.

ولابد أن أشير إلى الفلم الروائي الأول لأنوار معتصم ” ذات فجر يوم 19 فبراير” عنوان مثير نفهم من قصته التي تتحدث على الهجرة السرية أنه تركيب لحالات متداخلة  لشرائح متنوعة من الشباب التي اختارت الرحيل.

كما لايفوتني أن أشير إلى الفلم الوثائقي “نساء خارج ألقانون” لمحمد العبودي الذي يحكي معاناة سيدة لا تتوفر على أوراق التعريف حيث توج الفلم مسارها الدرامي بمشاهد مشاركتها في إحدى مظاهرات  20 فبراير.

أما على الصعيد العربي فيمكن القول بان السينما المصرية والسينما التونسية أنجزتا أعمالا متعددة ومتنوعة قاربت الربيع المجهض من زوايا مختلفة أحياناً لمقاربة الأوضاع قبل الانفجار وأحياناً من داخل الاحداث وأحياناً أخرى من بعد إخمادها من أجل مساءلتها من زاوية  جراح لم تندمل..

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة