محمد باكريم يكتب : سؤال الفلم المغربي الأول

عرفت الدورة الأخيرة من مهرجان برلين- ثالث اكبر مهرجانات السينما في العالم بعد كان والبندقية- حضورا مغربيا مهما ومتنوعا، فبالإضافة إلى الرواق المهني الذي استحدثه المركز السينمائي المغربي للترويج للعرض المغربي في هذا القطاع, كان هناك فلمان جديدان شاركا في مسابقتين مختلفتين (البانوراماوالفوروم) هما “ضربة في الرأس ” جديد هشام العسري الذي يحضر لبرلين لثالث مرة على التوالي والفلم الوثائقي الامازيغي “تكمي نيكران” للمخرجة والمصورة طالا حديد، ثم كانت هناك  فقرة جد متميزة استضافت” السينما المغربية الأخرى” على حد تعبير المنظمين والتي تمحورت حول سينما احمد البوعناني وزملائه من رواد ” سينما المؤلف” في المغرب ( عفيفي، بناني، رشيش، الركاب…)  .

ولعل أن الصدفة الجميلة جعلت أن هذا الحضور يتزامن مع الذكرى الستون لأول حضور لفلم مغربي في مهرجان برلين وهو فلم “ابراهيم” لجان فليشي. لا أظن انه تم رسميا هذا الر بط التاريخي المعبر… ولكنها مناسبة لرد الاعتبار لهذا الفلم الجميل الذي أنتج سنة 1957 (شرع في التصوير سنة 1956) وبمشاركة ثلة من الممثلين المغاربة يتقدمهم الراحلين حسن الصقلي والطيب الصديقي. والفلم يحمل في عنوانه الثاني ” بداية وأمل ” في إشارة لبداية عهد جديد مع بزوغ فجر الاستقلال وأمل في أن تحظى الفئات الشعبية المهمشة (شخصيات الفلم كلها عمالية تنتمي لقطاع الحمالة) في المشاريع البنائية التنموية.

والمخرج جان فليشي سينمائي فرنسي حضر إلى المغرب في أواخر الأربعينات وعشق البلد وأهله واشتهر بتحويله لسكيتشات شعبية إلى أفلام قصيرة اعتمادا على خزان من الممثلين الذين برعوا على خشبة المسرح وفي ميكروفون الإذاعة يتقدمهم البشير لعلج، سيلم برادة..ومن أفلامه البارزة في بداية الخمسينات (1952-1954) اذكر”عسو المسكين” “الكنز المخفي” أو ” الدجاجة” … وعند استقلال المغرب اختار جان فليشي الاستمرارفي العمل مع المركز السينمائي المغربي.وأراد مشاركة أفراح الاستقلال بفلم “إبراهيم” وأتناء انجازه هذا الفلم تلقى المغرب دعوة رسمية من مهرجان برلين للمشاركة في إحدى فقراته، وعلم وزير الأنباء آنذاك بخبر فلم جان فليشي وطلب منه إنهاءه بسرعة . وتم ذلك فعلا وعرض الفلم في برلين ولقي أصداء جد طيبة. ويحكى أن السفير الفرنسي قاطع الحفل الرسمي الذي نظم على هامش عرض الفلم لكونه لا يشير قط “للدور الحضاري للاستعمار الفرنسي “، وإضافة إلى حمولته السياسية والإنسانية فان الفلم يتميزبكتابة  واختيارات جمالية تحيل إلى الواقعية الجديدة صورة وتركيبا.

والحديث عن موقع هذا الفلم يحيلنا إلى سؤال شيق ومثير حول أول فلم مغربي .

في سنة 2008 تمت الإجابة المؤسساتية والرسمية عن هذا السؤال بالاحتفال بخمسينية (1958-2008)”الابن العاق” لمحمد عصفور ، لم اخفي آنذاك (وقبله وبعده) تحفظي بل معارضتي لهذا الاختيار المتسرع نسبيا والمجانب للصواب تاريخيا.

وعلى كل فالسؤال يفتح شهية النقاش/ الجدل بين المهتمين الذين يتموقعون انطلاقا من خلفيات متعددة ولكنها تصب في أغناء النقاش.

فالطبيعة التحفيزية للسؤال أثمرت اجتهادات مختلفة، ألخصها في اتجاهات رئيسية تساعدنا على فهم المعادلة بدون تشنج أو مواقف مسبقة.

– هناك الاتجاه الذي اسميه “سينفيلي” والذي يربط ميلاد السينما المغربية بفلم “وشمة”   لحميد بناني إنتاج مستقل لسنة 1970 ويعتبر كل ما سبقه نوع من قبل التاريخ

– الاتجاه المهني-الحرفي الذي يؤسس لميلاد السينما المغربية مع فلم “الحياة كفاح” لمحمد التازي واحمد المسناوي لكونه أول فلم روائي طويل يعتمد مقاييس مهنية في الإنتاج

– ثم هناك الاتجاه التاريخي والذي يتميز بانفتاحه على عدة مقاييس، فهناك اجتهادات الصديق بوشتى المشروح الذي يعود بنا إلى عهد السلطان عبد العزيز الذي يمكن اعتباره أول مغربي وقف وراء الكاميرا ، كما انه توصل ابراز إلى أول فلم صور في المغرب اعتمادا على وثائق تاريخية .

ثم نجد داخل هذا الاتجاه التاريخي من يستدعي مقاييس اعتمدتها دول أخرى للاحتفاء بانطلاق السينما بها، في سنة 2007 احتفلت مصر بمائة سنة من السينما بالعودة إلى فلم قصير أخرجه مواطن من أصل تركي سنة 1907 ، نفس الشيء بالنسبة للهند التي اعتمدت فلما قصيرا للاحتفاء بذكرى انطلاق السينما بها.

وبالنسبة للمغرب إذا طبقنا هذا المقياس يبقى أول فلم مغربي هو “صديقتنا المدرسة” للمخرج العربي بنشقرون من انتاج المركز السينمائي سنة 1956… لكن إذا انفتحنا على الإنتاج  أيضا كمحدد لهوية الفلم فإننا ندعو لرد الاعتبار ليس فقط لفلم “إبراهيم” الذي مثل المغرب رسميا في مهرجان دولي بل أيضا لكثير من الأفلام المصنفة ضمن “السينما الكولونيالية” واحد وجوهها البارزة اندري سفوبادا  الذي اخرج مجموعة من الأفلام التي لا تخلو من تعاطف مع الفضاء والمكان، ويمكن اعتبار في هذا الصدد فلمه الجميل “عرس الرمال” فلما مغربيا خاصة انه لم يتمكن من انجازه بعد أن تخلى عنه المنتجين الفرنسيين إلا بفضل شركة مغربية “ستيديو مغرب” لصاحبها محمد الغزاوي والحاضرة بشكل كبير في جنيريك الفلم ، ونستنتج من ذلك ا ن أول فلم مغربي بالتالي هو “عرس الرمال” يعود لسنة 1948. قصة تراجيدية حول العشق القاتل أوحت لجان كوكتو بنص شعري مصاحب يقرؤه  بصوته مع أداء درامي قوي للممثلة العصامية ايطو بنبريك.

والنقاش مفتوح …

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة