محمد بكريم يكتب عن : هوية الفلم

أثار إقصاء فلم ميموزا للمخرج اوليفر لاكس والمنتجة لمياء الشرايبي من المشاركة في المهرجان الوطني المقبل جدلا على صفحات وجه الكتاب. نقاش ظل افتراضيا ولم يتوسع ليشمل الفضاء العمومي وانحصر المتدخلين فيه على بعض الغيورين على السينما وعضوين من اللجنة المهنية صاحبة القرار. ومعلوم انه مند بضع سنوات وأمام تزايد أعداد الأفلام الطويلة المرشحة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني اتفق المهنيون على تطبيق مبدأ الانتقاء القبلي وهكذا أصبح عدد الأفلام (الطويلة والقصيرة ) محصورا في خمسة عشر اعتمادا على مبدأ “تهوية” أيام المهرجان وإتاحة الفرصة لتنظيم أنشطة موازية متنوعة تغني خارطة اكبر تظاهرة سينمائية وطنية .

الموضوع يثير مستويين من النقاش . المستوى الأول يتعلق في تطبيق مبدأ الانتقاء حيث ما شرع في تنفيذه يعطي انطباعا سيئا على صحة الفكرة ومشروعيتها.

المستوى الثاني يتعلق بالمعيار الذي اعتمدته لجنة “التازي” للإقصاء فلم ميموزا وهو كون المخرج “أجنبي” وقد حاول المكلفان بتسويق البلاغ “الشوهة” بالدفاع عن القرار بالرجوع إلى موقف مهزوز وهو مرجعية القانون المنظم للمهرجان مما جعلهما في وضعية لا يحسدون عليها . بل بئيسة بكل المقاييس. فكيف يمكن لمن يحسب على صف الثقافة أو السينما أن يصادق على بيان ويضع اسمه على أسفل وثيقة تتحدث عن “الأجنبي” في ميدان تخترقه هويات متعددة يستحيل معها تبني موقف “جمركي” من الإبداع. فهل هو تأثير المنهاج الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية بقيادة دونالد ترامب.

ومما يحز في النفس أن هذا النقاش الهوياتي أصبح لازمة يعاد إنتاجها دوريا في مجال يعتبر نموذجا للانفتاح والتعددية والتسامح. فإذا قمنا بنوع من الاسترجاع التاريخي نجد محطات بارزة ستساعد في فهم ما يجري اليوم .

لقد اشرنا في عمود سابق إلى أول حضور رسمي مغربي في مهرجان برلين كان سنة 1957 ، والفلم الذي مثل المغرب في إحدى الفقرات الرئيسية للمهرجان هو فلم “إبراهيم” للمخرج “الأجنبي” جان فليشي والفلم من إنتاج المركز السينمائي المغربي وتم تكليف المخرج رسميا من طرف وزارة الأنباء (التسمية المتداولة أنداك).

وفي 1995 شهدت اللجنة المنظمة للدورة الرابعة للمهرجان الوطني معركة كبيرة حول امكانية حضور السينمائيين المقيمين في الخارج. وكان هناك تيار محافظ عارض حضور مخرجي الدياسبورا بنفس شعارات اليوم. لكن بفضل أطر المركز السينمائي و بعض السينمائيين المتنورين تم دحض هده الادعاءات و حضر جيل من الشباب (عيوش. لخماري الفروخي…) وكانت دورة 1995 دورة تاريخية.

وفي سنة 2005 أثيرت ضجة حول فلم “ماروك” للمخرجة المغربية ليلى المراكشي  اكثر تشويقا مما نعيشه اليوم ، صحيح ان التاريخ عندما يتكرر المرة الثانية يصبح مسخرة.. و قصة فلم “ماروك” (و درسها) تحيل إلى عبثية السؤال الهوياتي . فقد تم ترشيح الفلم إلى مهرجان كان (2005) في مرة أولى كفلم فرنسي ولم يتم اختياره.

وبعدها تم تقديمه كفلم مغربي اعتمادا على جنسية المخرجة وشارك في فقرة نظرة ما وبهذه الصفة شارك في المهرجان الوطني وأثار جدلا من طرف الجناح المحافظ في السينما وفي المجتمع. ولكن صمود المركز السينمائي المغربي انتصر للفلم وللمخرجة. وفي نفس السنة شارك فلم فرنسي في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني وهو” شاهدت اغتيال بنبركة” لسرج لوبرون وقد وابتكرت تخريجة لذلك بإضافة اسم سعيد السميحي كمخرج علما بان ملصق الفلم عند توزيعه يحمل توقيع اسم المخرج الفرنسي فقط .
والحال أن فلم ميموزا باستفادته من صندوق الدعم العمومي المغربي يصبح يحكم بقوة القانون مؤهلا للمشاركة في المهرجان الوطني لأنه إنتاج “وطني” إضافة انه شارك وفاز في مهرجان القاهرة (الجائزة الكبرى) كفلم مغربي وتم عرضه أيضا بهده الصفة في مهرجان مراكش. ان القانون هنا مجرد ذريعة لتبرير غياب الجرأة وللتغطية على مآرب أخرى.
إن الحسابات الضيقة والعقلية القبلية يتنافيان والعمل السينمائي. إن القاموس الهوياتي الجامد يوجد على طرفي تنقيط مع لغة السينما. إن هذه الاختيارات التي بدا يفرضها الجناح المتزمت والمحافظ داخل قطاع السينما والذي وجد صداه لدى وزير الاتصال السابق ستضرب في العمق التراكمات الايجابية التي حققتها السينما المغربية في العشرية الأولى من الالفية الثالثة. مما يستدعي ضرورة إعادة ترتيب مفهوم التنظيمات المهنية ودورها في توجيه القطاع السينمائي.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة