مريم كرودي تكتب: على هامش المقارنات

منذ أن لامس وعيي الحياة وصرت مدركة لما يدور حولي، و أنا أعيش المقارنة، مقارنة بلدي بباقي دول العالم، تلك التي يتبناها أبناؤه عند كل نقاش مستدلين بأمثلة لا متناهية من مظاهر التقدم و الإنسانية و الجمال في كل البقاع؛ مدعين أن هذا البلد مفتقر لأبسطها.
مقارنات طالما كنت أحاول تجاهلها إلا أنها كانت تأبى إلا أن تتجاوز ولو سهوا، في كل مرة كانت تطرق مسامعي تلك الكلمات المستفزة فأكظم غيظي تفاديا للانغماس في مشادات لا أول لها و لا آخر، فمن يتبنى أفكارا كهاته لا يرجى منه حديثا مثمرا أبدا.
هنا فقر و جوع و بطالة و جهل و محسوبية و تخلف ورجعية و هلم جرا .. كفاكم تشدقا و تفيقها و تطاولا على أصلكم، هنا أصلكم شئتم أم أبيتم.. من هنا أتيتم و هنا سنواريكم بالتراب حتى و إن قررتم الهروب.. جذوركم تظل هنا و أبسط طباعكم ستشتمون فيها ريح هذا الأصل…
أنت الذي تتغزل في خصال الدول الغربية من دقة و نظام و أسلوب عيش .. أنت نفسك الذي لا تحترم الصف في الإدارات العمومية و لا توقيت المواعيد.. أنت نفسك الذي ترمي شوارع بلدك بالأزبال وأنت الذي تزعج جيرانك بعد منتصف الليل و تعيش الفوضى العارمة..؛
و أنت الذي تمجد في حبهم للحياة و اهتمامهم بشؤونهم متجاهلين شؤون غيرهم من جيران و أقرباء و أصدقاء … نفسك الذي تقبل على كل اشراقة بتذمر فظيع و تراقب غيرك أكثر مما تراقب ذاتك، تتبع خطواتهم و تنبش في عيوبهم متجاوزا ما يخصك…؛
أنت الذي تقف مذهولا أمام معالم الجمال هناك، نفسك الذي تقتلع زهوره و تحرق جذوره بإهمالك ولامبالاتك …
فلا تعلق أخطاءك و سلوكاتك السلبية على شماعة وطنك و لا ترمي أرضه بالحجارة، تلك التي ستعثرك يوما.
أدعوك إلى التأمل في حال دول العالم كافة و أتحداك أن تجد بلدا مثاليا لا يعاني من نقص أو ضعف في جانب من الجوانب، لكل نواقصه و عثراته، بيد أن حبهم لأوطانهم يجعل منهم أسياد العالم و يدفعنا للمثول أمامهم منبهرين…
أحب وطنك بعسله و حنظله و سترى كيف سينضوي تحت لواء الدول المبهرة و كيف سيلج قائمتها عن جدارة.
فالمواطنة انتماء روحي قبل كل شيء، إن لم يعتريك شعور الانتماء؛ إن لم تفخر به عند كل انجاز حققه هو أو أحدا من أبناءه .. إن لم تفتقده وأنت تجول العالم و لم يقشعر بدنك شوقا و أنت تسمع لهجته في إحدى البقاع… صدقني أنت بعيد كل البعد عن مفهوم المواطنة؛
إن لم تصلح نفسك أولا و لم ترب أبناءك على حب الوطن، و أن يعملوا من أجل الوطن و أن يساهموا في تشييد نجاحاته .. إن لم تعتز بثراته و لم تعمل على إخراجه خارج الحدود بما أوتيت من استطاعة .. صدقني أنت بعيد كل البعد عن مفهوم المواطنة.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة