كلنا حماميز الله..

في الحقيقة لم نكن نحتاج إلى حكاية حمزة الدرهم لكي نعرف أن شيئا ليس على ما يرام في البلد، وأننا لسنا سواسية أمام القانون، حيث عينة من أصحاب الدم الأزرق تخال أنها تعيش فوق رؤوسنا، ولا تهمها ضوابطنا وليست معنية بما يعيشه العوام.
يكفي أن هذا التمييز أصبح تقليدا وثقافة، ويعيش بيننا من يدافع عن هذه الفوارق، ويطالب بإعفاء النخبة « الآرية » من تبعات القانون لأنها ثرية تعيش الحياة طولا وعرضا، ولأننا مجرد شرذمة من البؤساء الحاقدين.
لا يهمنا من يكون حمزة الدرهم أو ابن من هو هذا الشاب الفاجر، غير أن البلاغ الذي خرجت به العائلة يمكن تلخيصه في الآتي : لا يمكن التحامل على ابننا لأن الفساد منتشر، فهو ليس ولد الفشوش الوحيد الذي يهين العباد ويفلت من العقاب. وبالتالي لابننا حمزة الحق في الفساد مادام الكل فاسد.

فالعائلة لا ترى فيما قام به غير طيش الشباب، فيما آخرون يقومون بما هو أكبر وأكثر شرا. وكأن حمزة سارق بيضة بينما يريدون منا أن ننتبه إلى سارقي الدجاجة أو أكثر.
نعم أكثر، ففي الوقت الذي انشغل الجميع بحكاية « موسيو الكونسطاطور » عاد إلى أرض الوطن، في حفظ الله ورعايته، ديناصور « حراك »، نقلته فرنسا إلى بلده الأصلي بعد أن انكشف أمره.
اسمه “زارافاصورا”.. ديناصور بحري منقرض منذ 65 مليون سنة اكتشف سنة 2011 بأحد أحواض الفوسفاط بمدينة خريبكة، قبل أن يُهرب عبر تفكيكه، وكان من المقرر أن يباع في مزاد علني بباريس، بسعر يبدأ من 450 مليون سنتيم في 7 مارس الماضي، قبل أن ترضخ الشركة الفرنسية المتخصصة في البيع بالمزاد العلني لمطالب جمعية مغربية.

هذا يعني أن الديناصور سرق بقده وقامته، وأخرجته الحفريات من عمق الأرض، وقطع البر والبحر وعبر الحدود، ودخل ألمانيا ثم انتقل إلى فرنسا، واقتنته مؤسسة كبيرة في بلد الأنوار، دون أن يلتفت أحد إلى أول ديناصور فرنسي من أصول مغربية لم يحقق L’integration أو الاندماج الكلمة العزيزة على قلوب الفرنسيين.
كيف نتحامل إذن ضد « الكونسطاطور » وننسى الديناصور؟
الصواب يجعلنا نركز على سارق البيضة كما سارق الديناصور فالجرائم تعاقب من حيث المبدأ، لأن الفساد الكبير مثله مثل الفساد الصغير ولا يعطي لأي كان الحق في شرعنته او التطبيع معه.
دعوني في النهاية أروي لكم حكاية طريفة كان يطيب لوالدي، رحمة الله عليه أن يحكيها بعربيته الجميلة كلما سمحت له الظروف :
كان لرجل من الأعراب ولد اسمه حمزة، فبينما هو يمشي مع أبيه في السوق إذ برجل يصيح بشاب: يا عبدالله، فلم يجبه ذلك الشاب، فقال: ألا تسمع ؟ فقال : يا عم كلنا عبيد الله فأي عبدالله تعني؟ فالتفت أبوحمزة إلى ابنه وقال: يا حمزة ألا ترى بلاغة هذا الشاب؟ وفي اليوم الموالي نادى رجل شابا يا حمزة، فقال حمزة ابن الأعرابي كلنا حماميزُ الله فأيُّ حَمزَةٍ تَعني، فقال له أبوه: لَيس يعنيك يا مَن أخمد الله به ذِكرَ أبيه.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة