مواقع التواصل الإجتماعي سلاح ذو حدين في المجتمعات العربية

ينتشراستخدام الإعلام الرقمي وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ في الدول العربية، ويرافق هذا الانتشار زيادة ملحوظة أيضاً في تأثيراته سلبا وإيجابا على علاقات المكونات الاجتماعية والثقافية داخل المجتمعات العربية.
الإعلام الذي كان في الماضي القريب حكراً على الدولة، بحيث توجهه بما يخدم مصالحها وأهدافها، قد تغير اليوم مع طفرة الإعلام الرقمي سواء من خلال مواقع الانترنت او التواصل الاجتماعي، إذ تحول من كان في السابق متلق بسيط لا حول له ولا قوة له، إلى مرسل له تأثير قوي في طرح رأيه وبدون  أدنى تكلفة أو جهود كبيرة. غير أن تكاتف واتحاد هؤلاء الأشخاص البسطاء، وانفتاحهم على الآخر، قد يكون له انعكاسات أكثر تأثيراً عنمقارنة بباقي وسائل الإعلام التقليدية، بالأخص على مستوى العلاقات بين الشعوب والثقافات المختلفة.
وعن انعاكاسات الإعلام الرقمي على العلاقات بين الدول وشعوبها، يعتقد الصحفي المصري محمد أبو الغيث في حوارأجرته معه DW عربية خلال مشاركته بالمنتدى العالمي للإعلام بمدينة بون، أن للإعلام الرقمي ايجابيات أكثر مما له من سلبيات، وذلك لسهولة التواصل بين الشباب من مختلف الدول العربية وفي هذا السياق يذكر ثورات الربيع العربي كمثال على ذلك ويقول:“هذا الانعكاس الإيجابي للإعلام الرقمي كان واضحاً جداً خلال ثورات الربيع العربي، بحيث كان الشباب يحتفلون سوية بالثورات ويشجعونها، كما نشأت علاقات شخصية فيما بينهم”. ويضيف أبوالغيث:“طوال تلك الفترة كانت هناك محاولات للتعارف وتبادل للخبرات في القضايا المشتركة في الدول العربية سواء ما يخص السياسة أو قضايا اجتماعية مثل قضايا المرأة، من بينها التحرش الجنسي”.

وداد ملحاف

عندما تتحول مواقع التواصل إلى ميدان للكراهية
من جهتها ترى وداد ملحاف وهي ناشطة في المجتمع المدني ومختصة في التواصل الإجتماعي، في حوارلها مع DWعربية أن نبوءة مارشال مكلوهان حول ما أسماه بـ”القرية العالمية” قد تحققت في عصرنا الحالي، وحول انعكاسه على العلاقة مع الآخر في البلدان العربية، ومنها المغرب، تقول ملحاف:“أرى أنه أصبح لهذا الأمر انعكاس إيجابي، بحيث يمكن للمرء الاطلاع على كل الثقافات بمختلف تنوعاتها والتواصل معها، ونشرالأخبار والتعبيرعن الأفكار وعن الاختلافات الدينية والثقافية في المجتمعات العربية“.
لكن في بلد مثل المغرب يشهد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت بشكل عام توظيفا سلبيا، كما تقول ملحاف التي تحذر من “تحويل الإعلام الرقمي من وسيلة للتعبير عن الاختلافات الثقافية والتنوع إلى وسيلة لبث خطاب الكراهية بين الثقافات أو الهويات الاختلافات ومحاولة إقصائها وتهميشها، كما تخلق النقاشات على بعض المواضيع مثل  موضوع الأمازيغ والعرب بالمغرب على شبكات التواصل الاجتماعي”. وتشهد مواقع التواصل بالمغرب في غضون الاحتجاجات القائمة بالحسيمة في الريف شمال المغرب، من حين لآخر تراشق بين مجموعات أحيانا الاعتبارات عنصرية.
وتحتل مواقع التواصل الاجتماعي حيزاً مهما في الواقع الثقافي والسياسي للمجتمعات الخليجية، ومن الآثار الإيجابية للتقنيات الإعلامية الحديثة، هو ما تتركه من أثر ايجابي على المجتمع والشباب بشكل خاص والدولة بشكل عام، كما يرى محمد عاشورعبد الله، مديرالتسويق في التلفزيون البحريني في حديثه لـDWعربية:”وذلك من خلال الاتصال بالعالم الخارجي والاطلاع على ما يحدث في دول العالم الأخرى من تطورات وتقدم تكنولوجي”.
وبالمقابل يبقى للإعلام الرقمي ملامح سلبية كما يرى الصحفي المصري محمد أبو الغيث، والذي يتمثل بحسب رأيه في اندفاع قطاعات من مستخدمي فيسبوك أو تويتر في تبادل الشتائم والاتهامات على أساس الانتماءات الطائفية أو القومية، عند اندلاع الأزمات بين الدول، مشيرا إلى الأزمة القائمة بين السعودية والامارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، وعن ذلك يقول:“منذ توتر العلاقات بين البلدين(قطر والسعودية) ومواطني البلدين يطلقون هاشتاغات عبر تويتر ضد بعضهم البعض ويتبادلون الشتائم فيما بينهم، مما ساهم بشكل أو بآخر في تصاعد التوتر”.
ومثلت الأزمة بين مصر والسودان، بعد تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير ووصفه لمصر بالقوة المحتلة لأراض من بلاده، في إشارة إلى مثلث “حلايب وشلاتين وأم رماد”، مثالاً آخر لانعكاسات استخدام مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي بشكل سلبي وتأثيره على العلاقات بين الشعوب وعن هذا المثال يقول الصحفي المصري:“بالرغم من وجود مقولات تاريخية عن وحدة شعبي مصر والسودان، إلا أن العلاقة ما بينها لم تخلو من التوترات بين الحين والآخر، والتي اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي ساحات حرب لها، كما ساهمت  انتشار بعض الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي في تصاعد التوتر الذي يسود العلاقات المصرية السودانية”.
ولا يقتصر التأثير السلبي للإعلام الرقمي على العلاقات السياسية بين البلدان، بل يتعداه إلى مجالات أخرى منها الرياضة، وكمثال على ذلك يذكر أبو الغيث ما حصل من مشاكل خلال مباراة منتخبي مصروالجزائر في التصفيات المؤهلة إلى مونديال 2010 في جنوب إفريقيا وكيف ساهم التوتر بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين في إشعال فتيل المشاكل بين الدولتين قبل اللقاء الفعلي لمنتخبي البلدين داخل الملعب.
“دعم ثقافة التعايش والحوار يبدأ من الواقع”
وللوقوف على أسباب التأثير السلبي للإعلام الرقمي على علاقات الدول والشعوب، تربط ملحاف في العموم إيجابيات وسلبيات الإعلام الرقمي بطريقة استخدامه، حيث ترى أن أخلاقيات المهنة سواء في الإعلام الرقمي أو التقليدي هي نفسها لا تختلف، و يكمن الاختلاف في كيفية التعامل مع المواد الإعلامية من طرف الأشخاص، الذين لا يملكون اطلاعاً على أخلاقيات المهنة أولا يحترمونها وهذا يشكل صعوبة في الوطن العربي لغياب القوانين” أو لعدم تطبيقها ان وجدت، لكن ملحاف تستدرك قائلة: “هذا لا يعني أن تُستعمل هذه الأخلاقيات كوسيلة أخرى لمنع ولقمع حرية التعبير”.
في المقابل لا يرى أبو الغيث في القوانين سبباً كافياً للتأثيرالسلبي للتقنيات الحديثة على العلاقات، لأن الإعلام الرقمي حسب رأيه ليس بعالم افتراضي، وإنما هو واقع حي وحقيقي وكذلك مستخدميه، الذين ينقلون معهم مشاكلهم، صفاتهم السلبية، وعنصريتهم وصورهم النمطية السلبية إلى الإعلام الرقمي، ولهذا فالعالم العربي بحاجة إلى تغيير في الواقع أولاً”.
من جهته يؤكد عاشور عبد الله على أن بناء العلاقات بين الدول والثقافات في العالم العربي هو اليوم بيد الشباب، ويقول:” لابد أن نفهم جيل الشباب، لأننا لا نستطيع أن نعالج مشاكل اليوم بتقنيات الأمس، الشباب الآن كما يطلق عليه بعض المفكرين “جيل رقمي”، فلابد أن نستخدم أساليب تتناسب معهم”.
ويذكر أنه بحسب نتائج تقريرالإعلام الاجتماعي العربي لعام 2017، فإن نمو استخدام الإعلام الرقمي يرافقه زيادة ملحوظة في الأثر على الواقع الثقافي والاجتماعي والعلاقة بين المجتمعات والحكومات في العالم العربي. بحيث بلغ عدد مستخدمي” فيسبوك” بحلول 2017 في المنطقة العربية 156 مليون مستخدم، مقارنة بـ115 مليوناً في العام الماضي، وأن 11.1 مليون مستخدم نشط على “تويتر” في المنطقة العربية في أوائل 2017، مقارنة بـ5.8 ملايين قبل ثلاث سنوات.

 

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة