الجواهري يبهدل بوطبول الذي غنى وسط روائح النقانق وصيحات “الفرّاشة”

ما كان للعديد من عشاق حاييم بوطبول، الذي حجوا إلى سهرته مساء أول أمس (الأحد)، أن يتوقعوا “البهدلة” التي تعرض لها الفنان المغربي باختيار منظمي مهرجان الدار البيضاء ساحة الأمم المتحدة فضاء لاحتضان حفله.
بوطبول الذي عايش مجد الدار البيضاء وغنى عنها المقطع الشهير “كازا يا كازا اللي مشى ما جا”، وكان واحدا من أبرز معالمها الثقافية والفنية، وغنى في أشهر فضاءاتها الليلية خلال عقود الألق حتى بات جزءا من ذاكرة الزمن الجميل بها، “أحياه الله” حتى عاين زمن التدهور واجتياح البدونة والترييف لأهم فضاءات العاصمة الاقتصادية، ليغني في الهواء الطلق بساحة صارت سوقا شعبية مفتوحة في العراء.
الطريق إلى منصة ساحة الأمم المتحدة، لم يكن سالكا، بسبب سيطرة جحافل الباعة المتجولين وبائعي الأكلات الخفيفة والملابس والشحاذين وماسحي الأحذية وبائعات الهوى التائهات، على محيط المنصة، لدرجة أن الكثيرين ممن اختاروا التوجه إلى سهرة بوطبول كان لسان حالهم يقول: أهذا ما يستحق فنان بحجم هذا الرجل وعطاءاته ليتم الزج به في سهرة لا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة والتنظيم المحترف، فضلا عن وجودها وسط فضاء مشبع بروائح الفشار(الكلْية) والنقانق وصيحات “الفرّاشة” وأصحاب الطاكسيات الكبيرة.
ورغم كل هذه الظروف غالب عشاق نغمة “الشكوري” أنفسهم، وتحملوا مشاق الوقوف وسط هذه الأجواء التي تبعث على الحسرة، ليغمضوا أعينهم ويسرحوا بخيالهم مع صوت حاييم بوطبول، الذي اعتلى المنصة ببذلة بيضاء أنيقة، ليسافروا عبر نوستالجيا غنائية إلى الزمن البيضاوي الجميل علّها تنسيهم، ولو للحظة مستقطعة، ما آلت إليه العاصمة الاقتصادية على يد مسيريها ومالكيها الجدد باختلاف طبقاتهم ومواقعهم سواء خلف مكتب وثير أو عربة مجرورة.
أسر وعائلات ما زالت تحمل على محيا أفرادها شيئا من الحنين إلى الأنغام اليهودية المغربية الأصيلة، رددت مع بوطبول أشهر المقطوعات التي ميزت مسيرته الفنية الحافلة التي تمتد لأزيد من ستة عقود، منها أغنية “أنا قليبي بيدي كويتو” و”هذا الحبيب غاب عليا” فضلا عن المقطوعة الشعبية الشهيرة “بيضاوة” الذي كرست الإحساس الحزين بالنوستالجيا الذي تسيد الأمسية.
وواصل بوطبول سفره الفني وسط مجاهل الإيقاعات التراثية المغربية اليهودية والمتون الأساسية لهذا المكون، والتي خبرها لعقود طويلة وهو ما تجلى في طريقة وقوفه على الخشبة وانتقاله من أغنية لأخرى بيسر وسلاسة رغم أنه بلغ عقده الثمانين، وكذلك قدرته على التحكم في صوته ومقاومة أي انفلات فيه بحكم عامل السن وهو ما توفق فيه إلى حد بعيد.
كما أصر بوطبول على حمل بندير كان يعزف عليه بين الفينة والأخرى بحنكة عازف متمرس، ليستميل الجمهور إلى منطقة الغناء الشعبي والبراول وإيقاعاتها الساخنة ليغني لهم “وريني وحشك يا الغابة” و”آش داك تمشي للزين” و”فين الشيك اللي عطيتك” و”شوفو حالتي” وأيضا “بابا صالح فين الكلمة” التي اشتهر بها.
سهرة بوطبول رغم اللحظات الجميلة التي منحتها لمن قصدها، إلا أن مكمن الجمال ذاتي في مطربها، ولا علاقة له بأجواء الرداءة المحيطة بها، والظروف التنظيمية التي تجعل مهرجان الدار البيضاء يشبه المدينة في فوضاها والترييف الذي اجتاحها بمباركة الجميع.
عزيز المجدوب

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة