سعد لمجرد وثقافة الاغتصاب

ماجدة الكرمي (ترجمة ج.خ)

وسط صخب شديد، وكأن شيئا لم يكن، حققت الأغنية الأخيرة للمغتصب الدولي المزعوم، الملايين من المشاهدات، بالإضافة إلى تغطية إعلامية واسعة، تركت لدي ولدى الكثيرين من زملائي الفطنين، طعما مرا، وشعورا بأن التطبيع مع مثل هذه الأعمال الإجرامية الخطيرة أصبح عرفا منذ انفجار هذه الفضيحة.

ولكن، ماذا يمكن أن ننتظر في بلد تتجذر فيه ثقافة الاغتصاب، فليس من المستغرب أن يجد رجل متهم بالاغتصاب مع العنف، إصدار فيديو كليب جديد (مع السوار الإلكتروني البارز في كاحله) أمرا طبيعيا جدا أو شرعيا، مع كلمات معبرة تماما عما سمحت به وسائل الإعلام وشخصيات عامة ومعجبين. وبالإضافة إلى التعابير الطافحة بكراهية النساء، وجد من اللائق الغمز بطريقة غير مباشرة تجاه الضحية، و مكافأة المستمعين بتعبير “الولد الشرير” أو BAD BOY . وختم “عمله الفني” برسالة شكر إلى “جلالة الملك نصره الله” (عيناي تدمعان من التأثر)، وبيير بول جاك والجماهير الوفية التي يدعوها إلى مواصلة مهاجمة كل الذين يعارضون عظمته. الوضع مستفز على العموم لكنه “طبيعي”.

لكن ما يدعو للقلق فعلا، هو عدم استفادة سعد لمجرد من قرينة البراءة التي ينادي بها أنصاره. لأنه يتم التعامل مع سعد لمجرد كبريء بشكل مطلق. وباستعمال بعض الحيل السخيفة غادر قفص الاتهام وتقمص دور الضحية التي تحولت بدورها إلى جلاد. شيء يفقد المرء صوابه، لقد منحه عكْس الأدوار هذا الشعور بالقوة، واقتنع بأن ما وقع ليس بالخطورة المطلقة التي نتصور. وكأنه ذلك النمر الصغير الذي ظهر في الفيديو كليب، والذي يهبط دائما على قدميه مهما كانت ظروف سقوطه.

وعلى الرغم من تاريخه الرسمي وغير الرسمي، يتمتع لمجرد بالحب، الذي نصفه دائما بالأعمى، من معجبيه الذين لا يتمتعون بالحس السليم، والذين يطالبون بالبراءة المطلقة دون أن يطلبوا أي حسابات من معبودهم الذي راكم الاتهامات لدرجة أصبح من الصعب تكذيب جميعها، لقد تعددت لدرجة لم يعد ممكنا الاستمرار في التجاهل واللامبالاة.

لم يحاول لمعلم حتى تقديم شرح واضح وإثبات “براءته” لأن “آخرين” يقومون بذلك بدلا منه. الأخرون هم أصدقاؤه، ومعظمهم من الشخصيات العامة، تليها مئات الآلاف من الشباب الذين يستخدمون التفسيرات والنظريات الواهية لغسل شرف صديقهم. هذه الشخصيات العامة توزع الشتائم على أولئك الذين يشككون في براءة مزعومة لصاحب سوابق متكررة يستمر في تسطيح جريمة وتمريرها على أنها مؤامرة دولية.

هؤلاء “الآخرين” هم أيضا بعض وسائل الاعلام، التي اختارت للحفاظ على ما تبقى من صورة المغني، تشويه ضحيته المفترضة. وأتذكر هنا على الخصوص خبرا نشره موقع إلكتروني واسع الانتشار عرض صورا عارية للضحية المزعومة، منحها للقراء كدليل على أنها فتاة لعوب تستحق ماجرى لها. نعم، لأن هنا، عندما تتعرى.. تستحق كل أنواع سوء المعاملة.. وهو المطلوب. فكانت استراتيجيتهم أيضا ناجحة جدا لأن الفتاة ذات التسعة عشر ربيعا، عانت أسوأ الترهيب والتهديد بالقتل على الشبكات الاجتماعية. وأغتنم هذه الفرصة لأرفع قبعتي إجلالا وإكبار للصحافية المسؤولة عن هذا الهراء.

هؤلاء “الآخرين”، هم أيضا والداه، اللذان وجدا من الطبيعي تماما أن يتبخترا إلى جانب ابنهما المستفيد من السراح المؤقت، ويضحكان بصوت عال على إيقاعات نجاح أغنية، عنوانها كاشف جدا “آنا ماشي الساهل”. مشهد كئيب! كحول ومخدرات، اتهامات بالاغتصاب.. ولا أحد منهما وجد من النضج ورجاحة العقل القول إنها لفكرة سيئة الظهور بهذا الشكل، والتهك من أولئكم الذين يطالبون منه فقط دفع الثمن للمجتمع أو معالجته بشكل مستعجل من إدمانه المتعدد.

هؤلاء “الآخرين”، هم المعجبون، جيشه، الذين يستخدمه للاعتداء في الشبكات الاجتماعية من أجل بث الكراهية (وخاصة سب الأعضاء التناسلية لأمهاتنا، من يدري لماذا) ضد كل أولئك الذين يرفضون أن يعامل هذا المجنون ك “ضحية مسكين لنجاحه الكاسح”. هذه الجماهير نفسها التي يشكرها في كثير من الأحيان لأنها تقوم بالعمل القذر نيابة عنه. لكن، ألا يمكننا القول إن لنا الجمهور الذي نستحق؟ على كل حال، لمجرد يستحق كل المدافعين عنه لأنهم في النهاية متساوون.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة