مرميد من إيطاليا : فوزي بنسعيدي ينقل “وليلي” للبندقية

هناك بعض من أركان تخطها اليد بنفس منشرحة، وركن اليوم عن فيلم “وليلي” لفوزي بنسعيدي أحدها.”وليلي” هو العمل الذي قدم أمس، في فئة “الڤينيس دايز” في مهرجان البندقية العالمي.
يبدأ فيلم وليلي الذي عرض في صالة “لابيرلا” هادئا مثل مخرجه الذي يبني قصة حب مغلفة بكثير من عنف، ثم يدخل على الخط مشخصا إلى جانب منى فتو و محمد الشوبي و نزهة رحيل، والأربعة يعطون المعنى الذي نطلبه مرارا من صاحب الدور الثانوي. أن لا يتم ربط أهمية الدور بمدة الظهور، و في “وليلي” وثق بنسعيدي في كل من محسن مالزي الذي اشتغل معه سلفاً في “موت للبيع” و نادية كوندا. باستثناء بعض الفترات التي يتيه فيها الشريط،فقد كانا في المستوى و استفادا من توجه المخرج لأول مرة في مشواره نحو التركيز على شخصياته و على ملامح شخصياته أكثر من اهتمامه بالأفكار التي تمررها في كثير من أحيان قسمات الوجه.
في “وليلي” المسألة واضحة، مخرج يريد أن يصل لقلوب مشاهديه و نأي عن تعقيدات لم تكن لتخدم السياق. فيلم بسيط المبنى، و الحكي فيه تم بطريقة التطابق التي يستدرج نحوها المشاهد و تتغير نحو التنافر بعد دخول “منى فتو” في القصة. صدق الطبقة البسيطة في حبها واشتغالها، في مقابل نفاق و جشع الطبقة الثرية و الأمر قد يخدمه هذه المرة في القاعات على قلتها عندنا. طبقة بسيطة يمثلها “عبد القادر” وزوجته “مليكة”، يبحثان عن عيش تساوم في الكرامة، وطبقة غنية لا تعرف أصلا معنى الكرامة.

فيلم بإمكانيات غير كبيرة، وبفكرة واضحة ترد على لسان بطل الشريط:”فقدت أبسط شروط الحياة، لكنني لم أستطع أن أفارق الحياة”، مع ذلك فهو فيلم مليء بالحياة و إن كان يحكي التناقضات الصارخة في مجتمع يغيب فيه التواصل الأفقي و يستأسد فيه سوء الفهم. تناقضات يصورها بنسعيدي،و في الخلفية انتقال من الموسيقى العربية إلى الكلاسيكية و الراي للتعبير عن انتقال شخصياته من حالة نفسية لنقضيها في مساحة زمنية صغيرة.
فيلم “وليلي” بأطلاله،بهذه البساطة الذكية و بإحالات موفقة أحيانا على أعمال عالمية.بالنظر لهول ما يعرضه غالبية مخرجينا،لم يعد بالإمكان أن نطلب الكثير بعد أن قدم فوزي بنسعيدي القليل المحترم.في “وليلي” هناك “موت للبيع” في القصة،و هناك “عالم فريد” في القصة،و هناك “ألف شهر” جمع فيها المخرج بعضا مما شاهده في مكناس في سنوات شبابه و نقله في العمل.هناك نفس من كل أفلامه السابقة في شريطه الجديد،و إن كان شريطه الجديد يختلف في طريقة تصويره و تناوله عن كل أفلامه السابقة.شريطه الجديد يرصد الرومانسية المقموعة،و الكثير من الأحلام البسيطة التي تُجهض و التباين الطبقي المرهق،كل هذا بلجوء للقطة المكبرة التي كان لنفس المخرج موقف منها في أفلامه السابقة.في “وليلي” احتاج اللقطات المكبرة لينقل الأحاسيس،و ليجعلنا نرصد من ملامح أبطاله ما يعيشونه في ظل استحالة حصول التعايش بينهم.
في الفيلم قد يكون فوزي المشخص أكثر إقناعا من فوزي المخرج، و إن كان فوزي المخرج قد اقترب فعلا هذه المرة من العثور على نفسه، ودخل بجدية في محاولة لإقناع الآخربرؤيته الفنية.

الأدوار الثانوية هي التي منحت الحياة لشريط يستحق أن يشاهد، وهذه السمة تحضر في غالبية الأفلام التي تعرض في الفئة ذاتها.

في المرة المقبلة سننتظره في المسابقة الرسمية، و بالنظر لمستواه يحق لنا أن نصر على ضرورة تحقيق هذا المطلب لأنه مبدع يتوفر على إمكانات التنافس على أرقى الجوائز العالمية. سأخصص ركنا آخر للعمل بعد العودة للمغرب، لكن فوزي بنسعيدي يستحق التهنئة و الشكر على جديته. كان و سيبقى واحدا من قلائل المخرجين المغاربة الذين يحترمون السينما، و أخبره من الآن بأني أرقب حضوره في ال”إف.ب.إم”.مرة أخرى، شكرا لك فوزي..

*ركن سينما بلال مرميد على إثير إذاعة ميدي1 الدولية

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة