بورتريه : فضيلة الغرناطية.. صوت طروب يتلألأ في مقام “الشكوري”

تأثرت فضيلة بالطرب الغرناطي مند الصغر، أثناء ملازمتها لجدتها وأمها اللتان كانتا ترددان وبصورة مستمرة على مسامعها أغاني من الطرب الغرناطي بقواعده الفنية، ونشأت بين ثنايا هذا اللون الغنائي كما أورده رواده الأوائل المغاربة منهم خصوصا أهل فاس وكذا اليهود والجزائريين.

هذه الأجواء العبقة بروح الأنغام والترانيم مكن فضيلة من حفظ مجموعة زخمه من الطرب الغرناطي وهي لازالت بعد في صف الدراسة، فلمست في نفسها قدرة عجيبة على الأداء الجيد والغناء السليم الذي لا يشوبه نشاز، واكتشف المدرسون هذه الموهبة فيها أثناء الحفلات المدرسية حينما كان التلاميذ يرددون أغنية جماعية وكانت هي تردد عن بعد بصوت طروب يشنف الأذان ويعتقل الوجدان، فانبهر أحد الأساتذة بهذه القوة في الغناء وهذا الانسياب الشجي والأخاذ.

لما انتقلت  إلى الدار البيضاء بعد أن قضت ردحا من الوقت بمدينة وجده، التقت فضيلة بالاستاذة سعاد سليمان شوقي صاحبة الأنامل الذهبية،
وهي للإشارة أول امرأة مغربية تداعب القانون، فيصدر نغما ساحرا، يشفي الأقسام ويداوي المسامع, ففتحت فرصة هذا التلاقي الأبواب على مصراعيها لتمتين معرفة فضيلة  بفنون المعزوفات والطرب الأصيل، والتعرف إلى كتاب كلمات وموسيقيين من خلال الصالونات الفنية فكانت فضيلة الغرناطية نجمة الطرب في هكذا لقاءات ومجالس.

كانت في البدء مولوعة وهاوية، لكن أحبتها وأصدقاؤها شجعوها على توثيق هذا الموروث الفني حفاظا عليه من الزوال.

ولما أهداها الأستاذ الشاعر مصطفى قداش كلمات أكد لها بأن صوتها هو المؤهل فنيا لادائها, ومند ذلك اشتغلت على تسجيل باكورة أعمالها وألبومها الأول الذي وقعته  بعنوان ” كلام الناس”.

كانت تنقب بشغف وتهم عن التراث الغرناطي الأصيل بغية بعثه وإحيائه وجعله خالدا,  وأمانه للأجيال القادمة, لكنه موسوم بخصوصية الأداء الذي تتخلله وترصعه بحة خاصة قوامها أحاسيس جياشة ومشاعر فياضة  تخطف الألباب وتحلق بها في سماء النغم.

كان الطرب الغرناطي يتلاءم مع شخصيتها لكونه مليء بالأنغام العذبة التي تبكي على الزمن الجميل وإطلال, والحضارة ببلاد الأندلس زمن زهوها.

كانت البذرة الأولى من غراس الجدة ذات الأصول التلمسانية وما فتئت تتنامى ذاتها وتتداخل معها لوحاتها التشكيلية، وقصائدها الشعرية المليئة بالصور الإبداعية والانزياحات الفنية، واشتغالها على تصميم الأزياء, وكان عالم الخلق والإبداع قد خلقت له.

لها ثقافة بصرية عميقة، وتعشق إلى حد الهوس علم الجماليات, تأثرت  بأساتذة  ورواد فاسيون ويهود  وجزائريين من عيار سليم الهلالي وزهرة الفاسية وريموند.. تعمل على تلحين كلماتها ببصمة ذات خصوصية منفردة, كانت توثر الخلوة رغم تفاؤلها وابتسامتها التي لا تكاد تفارقها توحي بحيوية توحي بحيوية لا تنضب,  هذه هي فضيلة الغرناطية التي تعد أحد الأسماء التي تعمل على إثراء خزانتنا الصوتية بالنغم الأصيل المتفرد.. إنها قادمة بقوة إلى فن الطرب الغرناطي الأصيل.

محمد الغرش

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة