مشروع تطوير السينما تعرض للتنويم .. نور الدين الصايل قال إن سنوات التجميد ستكون كلفتها غالية

اختتمت، أخيرا، فعاليات الدورة العشرين لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة. عن أهم ما ميز الدورة وقضايا أخرى تتصل بالشأن السينمائي المغربي والإفريقي خص نور الدين الصايل، مدير مؤسسة المهرجان، “الصباح” بهذا الحوار الذي تحدث فيه أيضا عن مصير المشاريع التي بدأها خلال ترؤسه المركز السينمائي المغربي وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي:

 

ـ بعد أن بلغ مهرجان خريبكة دورته العشرين على مدار أربعين سنة، أين تتجلى لكم مظاهر الجدة والتطور في هذه التظاهرة عبر هذه السنوات؟

ـ مهرجان السينما الإفريقية ، رغم ميلاده قبل أربعين سنة، إلا أنه تطور بكيفية ملموسة وقارة ابتداء من إحداث مؤسسة خاصة قبل حوالي تسع سنوات، إذ تشكلت لدينا تشكيلة نموذجية، وتفرعت النقاشات حول الأفلام وكذلك الأوراش والتكريمات للأشخاص والدول بكيفية مستمرة، والتقاط السينما الإفريقية التي لها مدلول. وفي شق ثان ركزنا أيضا على جانب الانفتاح على المنطقة، إذ لا يقتصر عرض الأفلام والأنشطة الموازية على خريبكة فقط، بل صرنا منفتحين أيضا على المجتمع المدني.

ـ هل كانت هناك احتفالية خاصة بالدورة العشرين للمهرجان؟

ـ هذه الدورة تشكل بالنسبة إلينا استقرار النموذج الذي يمكن أن يسير عليه المهرجان، ويبنى عليه مستقبله، إن كان هناك مستقبل. أهم ما ميز الدورة الانفتاح على المؤسسة السجنية بتنسيق مع مندوبية السجون، إذ أشرفت معنا على تنظيم عروض خاصة بالسجناء منها عرض وجه لحوالي 150 سجينا من أفارقة جنوب الصحراء، فضلا عن مناظرة نوقشت فيها قضايا لها صلة بالإدماج.

ـ هناك مفارقة غريبة تتعلق بأن هذا المهرجان وجه اهتمامه مبكرا للبعد والهوية الإفريقيين قبل أن يصير هذا التوجه استراتيجيا في المغرب؟

ـ أولا يجب ربط كيان المهرجان بالمرحلة الأولى التي ظهر فيها وهي السبعينات، التي يصفها الكاتب إدريس الخوري ب”سنوات العز”. واتسمت هذه المرحلة بالحركية على كافة المستويات، كما أن الجو كان مشحونا بالإبداع والتفكير في الإبداع، وهي الفترة التي ظهرت فيها الجامعة الوطنية للأندية السينمائية سنة 1973، إذ انبثقت من العشق العميق للسينما، والرغبة في الدفع بالثقافة السينمائية نحو اكتشاف الذات والآخر، فكانت البداية بالتوجه نحو المغرب الكبير في أول ملتقى احتضنته المحمدية وتمت فيه استضافة تونس والجزائر، بعدها كان التوجه نحو السينما العربية بقضاياها المصيرية منها قضية فلسطين، ثم تطور الاهتمام نحو إفريقيا، وهو ما اتضح من خلال الملتقى الذي احتضنته خريبكة سنة 1977 إذ أحسسنا أن هناك اهتماما حقيقيا بين جامعة الأندية السينمائية والنادي المحلي للمدينة تحت إشراف المكتب الشريف للفوسفاط الذي دعم التظاهرة في البداية بشكل محتشم قبل أن يتطور هذا الدعم لاحقا.

المهم أنه اتضح أن تربة خريبكة كان فيها ما يكفي من الأسمدة لتنمو جذور التظاهرة التي لم يكن ممكن تنظيمها سنويا لأسباب مالية وتنظيمية، إذ تواصلت منتصف الثمانينات وما بعده حيث  تم توطين المهرجان بخريبكة، وتقرر  تنظيمه مرة كل سنتين قبل أن تتطور إلى وتيرة سنوية خاصة بعد إحداث مؤسسة خاصة بالمهرجان ابتداء من 2008، ليحدث هناك نوع من التلاؤم بين الفكرة والتربة، ويمكن القول إن النموذج اكتمل الآن.

ـ لكن مع ذلك لم يأخذ المهرجان اهتماما خاصا من حيث الدعم رغم تزايد الاهتمام بإفريقيا باعتبارها خيارا إستراتيجيا للمملكة؟

ـ  الدعم العمومي الوحيد الذي يتلقاه المهرجان هو عن طريق لجنة المهرجانات التابعة للمركز السينمائي المغربي، لا يوجد لدينا وضع خاص وأتفهم هاته المسألة، إذ لا بد من تكافؤ الفرص بين جميع المهرجانات، لكن هذا لا يمنع من القول إن ما يتلقاه المهرجان من هذه اللجنة مضافا إليه ما يتلقاه من المكتب الشريف للفوسفاط مشكورا، يظل استثمارا ضعيفا بالنسبة إلى لوجستيك القارة الإفريقية خاصة أنه من الممكن توسيع حجم التظاهرة برفع حجم الاستثمار فيها.

ـ منذ مطلع الألفية الثالثة وأيضا خلال توليكم مسؤولية المركز السينمائي المغربي بدا أن هناك توجها لربط القرار السياسي بالفعل السينمائي والتحكم في إنتاج الصورة، أسفر عن تحقيق نوع من التراكم الكمي في هذا المجال، ألا ترى أن هذا الاختيار تعرض للإجهاض؟

ـ لا أعتقد أن هذا الاختيار تم إجهاضه، لأنه اختيار إستراتيجي لا رجعة فيه، إذ أن التوجه نحو مساعدة الإنتاج بكيفية مطلقة حتى نحصل على نوع من التراكم الكمي ما هو إلا الخطوة الأولى في معادلة مكونة من شطرين، الأول ارتكز على الدفع بوتيرة الإنتاج التي بلغت في ذروة مراحلها 25 فيلما في السنة وهو رقم لم يكن مسبوقا في تاريخ السينما المغربية.

ـ لكن المفارقة أن هذا الإنتاج الكمي تم التراجع عنه؟

ـ لأن تكميل المعادلة في شطرها الثاني مرتبط بالسوق الداخلية، فإذا لم يكن هناك سوق داخلية تمنح دفعة للإنتاجات الوطنية فإن هذا التراكم سيبدأ في الاضمحلال، وهو ما كنا ندركه حين بدأنا في الإعداد للمرحلة الثانية من المشروع ابتداء من 2009 حين كان خالد الناصري وزيرا للاتصال، إذ كان التحضير للمركبات السينمائية بالشاشات المتعددة، لكي تستوعب الإنتاج المغربي السينمائي خاصة أن الأفلام المغربية، مع ذلك، تظل هي الأكثر مشاهدة من قبل المغاربة، وهي المسألة التي تنطبق على كل الشعوب التي تعطي الأولوية لإنتاجاتها المحلية. فبالطريقة نفسها التي تم بها دعم الإنتاج الكمي، علما أن هذا الدعم لم يكن عطاء أو هبات بل استثمارا للدولة في قطاع السينما، وبهذه الكيفية يتم التحكم في إنتاج الصورة، كان يجب أن يتم دعم الخطوة الثانية من المشروع لكن هذه المرة بتشجيع المستثمرين من القطاع الخاص وتحفيزهم.

ـ لكن ما الذي حدث؟

ـ حدث هناك تراجع وتجميد للمشروع، فبعد تشكيل حكومة 2011 كنا نتباحث طيلة أزيد من سنتين من أجل استئناف ما بدأناه، فدخلنا في عملية تنويمية لم يكن لها معنى، إلى أن غادرت المركز السينمائي المغربي، ليتم إقبار المشروع الذي انطلق منذ 2012 وبدأت ملامحه تتلاشى شيئا فشيئا. لا أريد أن أسيء الظن بأحد لكن الغموض الذي لف هذه القضية أسفر عن سوء فهم خطير واستهدف مشروعا طموحا أوقف في نصف الطريق والنتيجة الحتمية ستكون أن المكتسبات التي تحققت ستتراجع أيضا لأن التطابق ما بين السوق الداخلية والإنتاج مسألة واضحة، وأن هذه القطيعة والتجميد الذي طال حوالي ست سنوات ستكون كلفته أغلى.

أجرى الحوار: عزيز المجدوب (موفد “الصباح” إلى خريبكة)

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة