المغرب – نساء يكافحن ضد الحرمان الكامل من الميراث

في المغرب كما في بلدان عربية تكافح نساء من أجل المساواة مع الرجل في الميراث. لكن في بعض مناطق المغرب هنالك نساء تحرمهن الأعراف والتقاليد من حقهن في الميراث، يكابدن ظلم ذوي القربى في صمت، DW عربية تتابع قصص عدد منهن.
وجهها شاحب… تجلس القرفصاء على أريكتها البالية… إلى جانبها قنينة غاز صغيرة الحجم…أوراق  مبعثرة على الأرض…. مرآة مكسورة ….جدران تتخللها شقوق عميقة…كانت تتناول حبوبا لتهدئة أعصابها….لتتأمل بعد ذلك صورتها رفقة شقيقاتها الست …تغرورق عيناها بالدموع …..تصرخ بنبرة يمتزج فيها الحزن بالأسى قائلة  “فقط لأن والدتنا لم تنجب ذكرا، تحرم سبع شقيقات من حقهن في الميراث”.

هي صرخة امرأة حرمت من حقها في ميراث والدها، ذنبها الوحيد وشقيقاتها الست أن لا صوت في قبيلتها يعلو على صوت الأعراف والتقاليد. لكن كيف تنتصر الأعراف والتقاليد على القوانين الوضعية في بعض القبائل السلالية في المغرب؟

DW عربية انتقلت إلى مدينة القنيطرة التي تقع غرب المغرب لتكشف حجم المعاناة التي تكابدها هذه الفئة جراء حرمانها من حقها في الميراث. ففي الوقت الذي تتعالى أصوات الحركات النسائية بالمغرب للمطالبة بالمساواة في الإرث ويدعو الرئيس التونسي باجي قايد السبسي إلى ضرورة إجراء مراجعات قانونية لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، لاتزال دموع النساء السلاليات بالمغرب تسيل ويحرمن وبناتهن من حقهن في الميراث بسبب عدم إنجابهن لذكر.

سبع شقيقات بلا ميراث 
في قرية ولاد بن موسى نواحي القنيطرة، غرب المغرب تعيش مريم حداد وشقيقاتها الست بعد وفاة والدها ووالدتها. تحكي مريم في حوار مع DW عربية عن معاناتها جراء حرمانها وشقيقاتها من ميراث والدهن قائلة “والدتي لم تنجب الذكر لذلك كان من السهل على ابن عمي الاستيلاء على ميراثنا”.

ويعد عدم إنجاب النساء لذكور سببا في حرمانهن من الميراث وفقا للأعراف التي تحكم بعض أراضي القبائل السلالية في المغرب .

وتعتبر أراضي الجماعات السلالية أراضي تمتلكها مجموعة من السكان تجمعهم القرابة العائلية أو السلالة، ويتم الإشراف على هذه الأراضي طبقا للأعراف من طرف أرباب العائلات المكونة للجماعة أو نوابها تحت سلطة وصاية الدولة.

لكن مريم لم تبال بالأعراف وأصرت على رفع دعوى ضد ابن عمها الذي “استولى” على ميراثها وشقيقاتها بعد وفاة الرجل الوحيد في العائلة وهو الأب، على حد تعبيرها. وتضيف مريم في هذا الصدد “كنت أعمل في ضيعة مقابل 40 درهم مغربي ( اليورو يعادل 11 درهم مغربي) لليوم كنت أنفقها في التنقل إلى المحاكم.”

مريم تبلغ من العمر 42 عاما، عملها في ضيعة محاذية لضيعة والدها المتوفي، تأجج غضبها وزاد من رغبتها في استرجاع ميراثها بالرغم من أنها غير متعلمة و تواجه صعوبات في المطالبة بحقها. وتوضح مريم قصتها بنبرة استياء وتقول “إن ابن عمي رجل متعلم وأنا امرأة أمية كنت أقف أمام المحاكم …أسأل الموظفين ..كان بعضهم يساعدني والبعض الأخر ينصحني بأن أتعلم القراءة لأن معركة استرجاع الحق صعبة”.

“حاولوا اغتصابي”

وبالرغم من الجهود التي بذلتها مريم، غير أنها لم تتمكن من استرجاع ميراثها، وهو ما جعلها تشعر بالظلم “لقد تعذبت …ولم ينصفنا أحد”. وتضيف “لقد تعرضت إلى العنف ومحاولة الاغتصاب حتى أفقد شرفي ولا يحق لي بعد ذلك أن أطالب القبيلة بحقي”. فالأعراف والتقاليد التي تنظم القبيلة التي تعيش فيها مريم تحرم  النساء اللائي لم يحافظن على بكارتهن قبل الزواج من الميراث والمطالبة بحقهن، كما تقول مريم.

مريم من ذوي الاحتياجات الخاصة ..تواجه ظروفا صعبة
وتأمل شقيقة مريم وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، في أن تتمكن وشقيقاتها من استرجاع ميراثهن، لعلها بذلك تجد مورد رزق تقتات منه، وتتمكن من تغطية تكاليف علاجها.

وليس ببعيد عن منزل مريم انتقلت DW عربية إلى منزل “سعدية” التي حرمت من الميراث بسبب زواجها من رجل خارج القبيلة، هي حالة من بين عشرات النساء اللائي دفعن ثمن الارتباط برجل لا ينتمي لنفس جماعتهن(دائرة إدارية قروية)، خاصة وأن الأعراف تشدد على أهمية زواج المرأة من رجل ينتمي لقبيلتها معتبرة أن ذلك وسيلة للحفاظ على الارض.

تعرضت “سعدية” التي تجاوزت عقدها الخامس أيضا للعنف من طرف أقاربها لأنها طالبت بحقها، وبرغم من كل معاناتها لازالت تعيش على أمل أن ينصفها القضاء وتسترجع ميراثها.

أم الإناث

“زهرة” امرأة بلغت من الكبر عتيا تعيش رفقة ابنتها التي رفضت الزواج وترك والدتها لوحدها في منزل مهجور تحاصره الكلاب الضالة في منطقة ولاد وجيه بمدينة القنيطرة.

تقول “زهرة” في حوارها معDW عربية بنبرة حزينة  “أعيش في هذا المنزل المهجور أنا وابنتي أحيانا لا نجد ما نأكل …أشقاء زوجي حرموني من ميراث زوجي …لأنه لم يبق لنا رجل يدافع عنا.”

“زهرة” و “مريم” و”سعدية” نماذج لنساء حرمتهن الأعراف التي تحكم بعض القبائل السلالية بالمغرب من حقهن في الميراث وهذا ما يثير تساؤلات عدة، من بينها كيف استطاعت الأعراف أن تنتصر على القوانين الوضعية وتجرد المرأة من حقها الشرعي؟

وفي ردها على هذه المسألة توضح فاطمة الماموني عضو المجلس القروي بجماعة سيدي الطيبي بمدينة القنيطرة، بأن “أغلب النساء في جماعة سيدي الطيبي استفدن من حقوقهن”، معتبرة أن حرمان مريم حداد وشقيقاتها الست وسعدية من ميراثهن راجع إلى “رفض نواب القبيلة منحهن حقوقهن، معتبرة أن هذه الحالات قليلة بالمقارنة مع الحالات التي أنصفها نواب القبيلة في منطقة سيدي طيبي.

في مواجهة السلطة والقانون
يدعو الباحث في علم الاجتماع عمار حمداش في حواره مع DW عربية إلى ضرورة تعديل ظهير(قانون) 27 أبريل 1919 الذي ينظم أراضي القبائل السلالية بواسطة الأعراف، جراء عدم مواكبته للتحولات الاجتماعية والثقافية والقانونية التي يعيشها المجتمع المغربي. واعتبر حمداش أن العرف يحرم النساء السلاليات من حقوقهن بسبب زواجهن من خارج القبيلة أو عدم إنجابهن لذكر، ما يساهم في ارتفاع حالات النساء الأرامل والمطلقات اللائي لا يجدن من يتكلف بهن مما يجعلهن بدون حماية اقتصادية واجتماعية.

ومن جهته يعزو الناشط الحقوقي أحمد صوفة حرمان النساء من حقهن في الميراث في بعض المجموعات القبلية بالمغرب إلى عدم تحمل السلطات مسؤوليتها إزاء هذه الفئة، وتغليب الأعراف على القوانين الوضعية المعمول بها والتشريعات الدينية المرتبطة بـ “الشريعة”، وأوضح الناشط الحقوقي في حوار مع DW  أن النساء في هذه القبائل لا تستفدن حتى من نصف الإرث بعد وفاة والدهن أو زوجهن.

لكن فاطنة المامومني عضوالمجلس القروي بجماعة سيدي الطيبي بمدينة القنيطرة تقول في حوارمع DW عربية أنه “بفضل نضال النساء السلاليات بالمغرب، أصدرت وزارة الداخلية أواخر عام 2010 دورية تنص على تعميم قرار الاعتراف بأحقية هذه الفئة في الاستفادة من حقوقهن في أراضي الجموع”، مبرزة أن “النساء نجحن في تحقيق الاستفادة من حقهن في الانتفاع في الأرض بالمساواة مع الرجال في كل ما يخص التعويضات المالية”.

ويشار إلى أن دورية  وزارة الداخلية سنة 2010 والتي تلتها سنة 2012 دورية وزارية أخرى تدعو إلى اعطاء حق الانتفاع للنساء السلاليات في الأراضي التابعة للجماعات المحلية، قد جاءتا بعد سنوات من الوقفات الاحتجاجية للنساء السلاليات من بينهن  أرامل، شابات ومتقدمات في السن، أمام مقر البرلمان ووزارة الداخلية، وكذلك في عدد من الولايات والجماعات المحلية عبر مناطق مختلف في البلاد.

مسيرة الألف ميل تبدأ بميل واحد

وبرأي خبراء فان الصعوبات التي تواجه النساء”السلاليات” من نيل حقوقهن تتجاوز في جانب منها العقبات القانونية، وتُعزا إلى عوامل إجتماعية وثقافية. ويرى الناشط الحقوقي أحمد صوفة “الظلم الذي تعاني منه هذه الفئة يرجع إلى هيمنة العقلية الذكورية في هذه المجتمعات والقرارات الجائرة لنواب الجماعات السلالية (ممثلي الدائرة القروية) التي تنتزع من المرأة نصيبها الجماعي”. وأضاف الناشط الحقوقي “إنهم سجلوا خلال اشتغالهم مع حالات لنساء حرمانهن من حقوقهن وتماطل السلطات وتجاهلها لمطالب النساء، وعدم اتخاذها للإجراءات اللازمة للحد من  تبني الأعراف في بعض القبائل السلالية أي المجموعات التي تربطها قرابة.”
لكن صوفة يعتقد بوجود “أمل وفرص للتغيير وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث”، معتبرا أن ذلك مرتبط باستمرار نضال المنظمات الحقوقية والحركات النسائية من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، داعيا إلى “ضرورة الضغط على الدولة والمؤسسات المعنية لتفعيل القوانين المحلية المعمول بها والمواثيق الدولية لحقوق الانسان خاصة اتفاقية “سيداو” التي تنص بنودها على المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات جميعها، والقيام باقتراح مشاريع قوانين تحمي المرأة حتى تتحقق المساواة في جميع الحقوق”.

وخلال السنوات الأخيرة تحققت خطوات لصالح هذه الفئة من النساء، ففي عملية تعتبرالأولى من نوعها، استفادت النساء السلاليات سنة 2013 في بلدية المهدية التابعة لمدينة القنيطرة من حقوقهن في أراضي الجموع، وبلغ عدد المستفيدات آنذاك 867 امرأة، وكانت قد حصلت كل واحدة منهن على قطعة أرض تصل مساحتها إلى 100 متر مربع، في تجزئة سكنية تولت تجهيزها إحدى شركات العقار، وأشرفت وزارة الداخلية على عملية الاستفادة. وهو ما يمنح النساء اللائي يواصلن كفاحهن من أجل نيل حقوقهم أملا في الوصول إلى هدفهن.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة