أزمة الخليج .. الريسوني ضمن لوائح الإرهاب؟

تتجه الأزمة الخليجية نحو تطورات جديدة بعد تصنيف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منظمة إرهابية، فعدد من قيادات هذا الاتحاد موجودة في أكثر من بلد بقي على الحياد خلال الأزمة، خاصة راشد الغنوشي بتونس وأحمد الريسوني بالمغرب.
في تطوّر جديد للأزمة الخليجية، أضافت السعودية والإمارات والبحرين ومصر (الخميس 23 نوفمبر) قائمة ثالثة لكيانات وشخصيات تقول الدول الأربعة إنها تتحرّك بأموالٍ قطرية، إذ تتضمن القائمة كلا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمجلس الإسلامي العالمي ‘مساع’، وكلاهما يتخذ من الدوحة مقراً لأمانتهما العامة، فضلاً عن 11 فردا، ممّا يبيّن استمرار التصعيد في الأزمة مع قطر، بل ويفتح النقاش أمام دخول أطراف أخرى إلى الأزمة، بما أن الاتحاد الذي يرأسه يوسف القرضاوي يضّم شخصيات معروفة من دول أخرى ليست معنية بالأزمة.

“كل المرتبطين بقطر.. إرهابيون”

وإذا كان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين معروف بنشاطاته وأسماء أعضائه كرئيسه يوسف القرضاوي، أحد أكبر المنظرين داخل حركة الإخوان المسلمين، ممّا جعل هذا الاتحاد أحد أشهر المنظمات الإقليمية الإسلامية منذ تأسيسه عام 2004، فإن المجلس الإسلامي العالمي ‘مساع’، يبقى أقلّ شهرة، خاصة وأن الكثير من المعلومات عنه في الإنترنت قادمة من مواقع مقربة من أنظمة السعودية والإمارات ومصر، لكن صفحته الرسمية في الفيسبوك تشير إلى أن عمله يتركز أكثر على التنسيق بين الاتحادات الإسلامية وتأهيلها.
ومن المؤسسات الأعضاء في هذا المجلس، هناك الهيئة العالمية للسنة النبوية، والرابطة العالمية للحقوق والحريات، والاتحاد العالمي للدعاة المسلمين، ورابطة علماء المغرب العربي. كما يملك شراكة مع المنتدى السياسي الدولي ورابطة علماء المسلمين وائتلاف الأمة لمواجهة الخطر الإيراني ومؤسسات أخرى، حسب ما يكتبه ‘مساع’. وتبّرر الدول الأربعة إدراج ‘مساع’ واتحاد العلماء المسلمين بأنهما “روجا الإرهاب عبر استغلال الخطاب الإسلامي واستخدامه غطاءً لتسهيل النشاطات الإرهابية المختلفة”.

ومن ضمن الأفراد الـ11 الجدد المصنفين “إرهابيين مرتطبين بقطر” من لدن الرباعي المذكور، تشمل القائمة خالد ناظم دياب، مدير الإغاثة والتطوير الدولي بجمعية الهلال الأحمر القطرية، وسالم جابر، عضو ليبي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورجل الأعمال القطري محمد سليمان الحيدر، فضلاً عن شخصيات مصرية كالقيادي في الإخوان محمد فهمي محمود الشيخ.

منعطف جديد

وليست هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها الدول الأربعة عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إذ أدرجت يوسف القرضاوي في قائمة الإرهاب الأولى التي أصدرتها شهر يونيو الماضي، كما سبق لدولة الإمارات أن أدرجت عام 2014 هذا الاتحاد ضمن قائمة إرهاب تضم 83 تنظيماً، لكنها المرة الأولى التي تتفق فيها الدول الأربعة على تصنيف الاتحاد بأكمله منظمة إرهابية، وهو الذي يضم شبكة واسعة من الدعاة عبر العالم تصل إلى 95 ألف عضو، كما أن هذا التصنيف يطرح أسئلة حول إمكانية وضع أسماء أعضائه، أو على الأقل قياداته، في خانة الإرهاب، وهو ما سيفتح منعطفاً جديداً في الأزمة الخليجية.
فبعض القيادات داخل الاتحاد تنتمي إلى دول تملك علاقات قوية مع الرباعي. اسم راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية المشاركة في الحكومة المحلية، لا يزال موجوداً في موقع الاتحاد باعتباره كاتباً له في تونس، رغم حديث ناطق باسم الحركة الخميس، عن أن الغنوشي لم يعد عضواً بالاتحاد. كما يوجد اسم أحمد الريسوني، نائب رئيس الاتحاد، وهو أحد قيادات حركة التوحيد والإصلاح المغربية، التي تعدّ ذراعاً دعوياً لحزب العدالة والتنمية “الحاكم”، فضلاً عن اسم أحمد الخليلي، المفتي العام لسلطنة عمان، الذي يشغل كذلك منصب نائب القرضاوي في الاتحاد.

هل تصنف الدول الأربعة كل أعضاء الاتحاد إرهابيون؟ يجيب محمد بن عبدالله آل زلفة، عضو سابق بمجلس الشورى السعودي، في تصريحات لـDW عربية أنه “طالما يتأسس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين على التطرّف والتشدد، فقياداته تحمل الفكر ذاته”، موضحاً أن “القرضاوي روّج طوال سنوات لفكر متطرّف يعادي غير المسلمين، وكان مفتياً للمسلمين الذين حملوا هذا الفكر في الغرب”.
أما عن بقية القيادات الأخرى، فلم يعط آل زلفة جواباً محدداً، لكنه قال إن الغنوشي يحاول تعديل الأمور بعدما لم يجد من يسايره في طرحه، حسب قول آل زلفة الذي يردف: “بالنسبة للسعودية، كل من هو تحت مظلة حركة الإخوان المسلمين، التي تهيمن على هذا اتحاد العلماء المسلمين، فهو إرهابي”، مستدركاً القول إن “الأغلبية الساحقة من الأعضاء في الاتحاد مغرّر بهم، لكن القيادات هي المعنية بهذا التصنيف الجديد لأنها مؤمنة بما تفعل وهي من تنشر فكر الاتحاد بتمويل من قطر”.

لكن الباحث في حركات الإسلام السياسي، إدريس الكنبوري، يرى في تصريحات لـDW عربية أن هذه الاتهامات سياسية بالأساس بما أن الاتحاد مموّل من قطر، وقياداته تدافع عن سياسات قطر، ويوضح الكنبوري أن كل التداعيات المرتبطة بالأزمة الخليجية كإصدار قوائم الإرهاب مرتبطة بأصل المشكلة، أي الخلاف السياسي.

وبالتالي فعودة العلاقات بين قطر من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى إلى سابق عهدها، سيرفع أغلب الأسماء المرتبطة بقطر من هذه القوائم، ومنها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي سيغيّر نتيجة لذلك الكثير من مواقفه تجاه خصوم قطر داخل الأزمة.

أيّ انعكاس على المغرب وتونس؟

وإذا كان راشد الغنوشي قد اختار منذ مدة الابتعاد عن تصريحات صدامية مع أطراف الأزمة الخليجية، واتخذ موقفاً وسطياً خلال التطوّرات الأخيرة بدعوته أطراف الأزمة إلى مراعاة روابط القربى بينها والعودة إلى الوحدة والتعاون، مستحضراً بذلك دوره السياسي في بلاده، فإن أحمد الريسوني، الذي لا ينشط في المجال السياسي بالمغرب، انتقد بشكل كبير الدول المقاطعة لقطر، وكان من الموقعين على بيان تضمن ما مفاده أن “حصار قطر أمرٌ محرّم شرعاً”. ويستفيد الريسوني من الخط الفاصل الذي يضعه حزب العدالة والتنمية مع حركة التوحيد والإصلاح، إذ يقول الحزب، الذي تبنى الموقف الرسمي المغربي في الأزمة الخليجية، إن مواقف أعضاء الحركة لا تمثله.

موقف المغرب من الأزمة كان واضحاً عندما اختار أن يلعب دور الوساطة بدل الانحياز إلى أيّ طرف، وكذلك كان تقريباً الموقف التونسي عندما بقيت الدولة على الحياد.

أما سلطنة عمان، فمعروف عنها النأي بنفسها عن التجاذبات السياسية الحاصلة في المنطقة، ومن ذلك عدم تدخلها بأي شكل من الأشكال في الأزمة الأخيرة، وهو موقف انعكس على موقف أحمد الخليلي، الذي لم تصدر عنه أيّ مواقف سياسية مؤخراً.

لكن هل يعكس الموقف السعودي من الإخوان موقفاً موّحداً من حركات الإسلام السياسي، يجيب آل زلفة أن السعودية “لا تريد إسلاماً مسيساً، أو إسلاماً سياسياً، بل إسلاماً معتدلًا حتى تنعم المنطقة بالأمن”.

سبب تخوف السعودية والإمارات من الإسلام السياسي يوضحه الكنبوري بالقول إن الدولتين تريان فيه خطراً على نظاميهما السياسيين، وتخشيان بالتالي تمدد حركاته فوق أراضيهما، خاصة الإخوان المسلمين، كما تريان أن الإسلام السياسي يملك أجندة سياسية لا يمكن الوثوق بها كتقوية العلاقات مع تركيا وإيران اللذان ينافسان السعودية والإمارات في النفوذ بالمنطقة.
أما فيما يتعلّق بالمغرب وتونس، حيث يُشارك الإسلاميون أو يقودون الحكومة، فآل زلفة يتحدث عن أن السعودية تملك علاقات تعاون قوية مع الدولتين وليس مع حزب العدالة والتنمية المغربي أو حركة النهضة التونسية، فالسعودية لا “تتفق مع أفكار هذين الحزبين المتطرفة والمتشددة”، وفق قوله.

هل تتأثر تونس بما يجري؟ يبقى كذلك صعباً نظراً لمواقف تونس المحايدة وتركيزها الكبير في الفترة الحالية على الاستمرار في التوافق السياسي بين مكوناتها ومواجهة التحديات الإقتصادية، خاصة وأن حركة النهضة أعطت عدة مؤشرات على ابتعادها عن الجدل الدائر حول “أخونة الدولة” واتخذت مواقف متقدمة في تدبير الحكومة مع أحزاب علمانية.

أما في الحالة المغربية، فالموقف السعودي-الإماراتي من حركات الإسلام السياسي “لن ينعكس على المغرب الذي يملك سياسة خارجية مستقلة إزاء تطوّرات الخليج”، يقول إدريس الكنبوري، مضيفاً أن تجربة الإسلاميين في المغرب مغايرة، إذ يقودون الحكومة منذ سبع سنوات وهم مؤمنون بثوابت المملكة، كما أن الدولة المغربية ليست لها مصلحة في الدخول بصراع مع الإسلاميين”.

إسماعيل عزام

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة