الذكرى السابعة لثورة الياسمين بين المطالب الملحة وتجدد المواجهات

بحلول الذكرى السابعة للثورة في تونس (14 يناير)، التي تصادف ذكرى الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، تجددت المواجهات ليلة الأحد – الاثنين، في بعض المناطق من البلاد، بعد هدوء دام يومين، في ظل سياق سياسي واجتماعي دقيق تطبعه مطالب اجتماعية واقتصادية ملحة، تتساءل عما إذا كانت ثورة “الياسمين” قد حققت أهدافها بعد سبعة أعوام.

وفي الوقت الذي استنكرت فيه العديد من الأصوات أعمال التخريب والنهب التي ترافقت مع الاحتجاجات والمظاهرات السلمية التي شهدتها البلاد، يتساءل الرأي العام عن السبيل الذي يمكنه أن يفضي إلى تجاوز عقبات الوضع الاقتصادي، وتلبية المطالب الاجتماعية الملحة.

وبينما شهد قلب العاصمة التونسية، أمس الأحد، مسيرات سلمية بمناسبة الذكرى عاد البعض إلى التستر تحت جنح الظلام لمواصلة أعمال الشغب، حيث تجددت ليلة أمس في فريانة بولاية القصرين (وسط غرب) مناوشات بين عدد من الشبان والوحدات الأمنية، على إثر إغلاق الطريق الرئيسية للمدينة وإحراق العجلات المطاطية.

وقد اضطرت الوحدات الأمنية إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق مرتكبي أعمال الشغب، لتنطلق بذلك المواجهات من جديد في عدد من الأحياء. وعاشت منطقة دوار هيشر (شمال) وضعا مشابها، مساء أمس، من خلال أعمال شغب ومحاولات مداهمة عدد من المراكز التجارية قام بها عدد من المراهقين، قبل أن تتصدى لهم وحدات الحرس الوطني (الدرك).

وفي ولاية بن عروس (شمال) ألقت وحدات أمنية القبض، مساء السبت، على أربعة شبان داخل إحدى الثانويات وهم بصدد سكب مادة البنزين وإضرام النار بأحد مكاتب المؤسسة.

وأفاد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية، العميد خليفة الشيباني، اليوم الاثنين، بإنه “لم تسجل الليلة الماضية أية أعمال سرقة أو نهب”، وأن “مجموعات صغيرة” مكونة من شبان تراوحت أعمارهم بين 13 و 19 سنة قامت ببعض “التحركات المحدودة ” ليلا وذلك بفريانة (القصرين) و سيدي علي بن عون (سيدي بوزيد) والكرم الغربي (تونس) وحي التضامن (اريانة) ودوار هيشر (منوبة).

وأضاف الشيباني أن هذه المجموعات عمدت الى إشعال الاطارات المطاطية في بعض الشوارع والمفترقات و رشق قوات الامن بالحجارة، مشيرا الى أن بعض مرتكبي هذه التحركات حاولوا اقتحام مستودع تابع للجمارك التونسية في إحدى المناطق بولاية سيدي بوزيد (وسط)، كما أقدمت مجموعة ثانية على تعطيل خط كهربائي للضغط عالي، مما أدى الى انقطاع التيار الكهربائي عن بعض احياء المدينة.

وأشار إلى أنه تم الليلة الماضية ايقاف 41 شخصا و الاحتفاظ بهم إثر استشارة النيابة العامة لتورطهم و ضلوعهم في أعمال النهب و السلب و السرقة و قطع الطرقات و الاعتداء على الممتلكات العامة و الخاصة خلال الأيام الماضية.

وقد أعلنت الحكومة التونسية عشية حلول الذكرى السابعة للثورة، وفي أعقاب التحركات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي، عن اتخاذ جملة من الإجراءات الاجتماعية لفائدة العائلات محدودة الدخل والعاطلين عن العمل، من خلال رصد اعتمادات مالية بقيمة 100 مليون دينار (33,6 مليون أورو).

وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية التونسي، محمد الطرابلسي، في لقاء إعلامي انعقد في أعقاب مجلس وزاري التأم، مساء أول أمس السبت، أنه سيتم بداية من مطلع أبريل 2018 تمكين شريحة الشباب العاطلين عن العمل من التغطية الصحية المجانية، والزيادة ب 20 في المائة في منحة العائلات المعوزة لترتفع من 150 دينارا (حوالي 50 أورو)، إلى 180 دينارا أو 200 دينار (60 أو 67 أورو)، بحسب عدد أفراد الأسرة.

وتأتي هذه الإجراء في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد مؤخرا، على إثر ارتفاع أسعار بعض المواد وإجراءات قانون المالية الجديد، والتي تحول بعضها إلى مواجهات مع قوى الأمن وأعمال شغب وتخريب طالت حوالي 11 ولاية، وأسفرت عن إيقاف أزيد من 770 شخصا.

وأضاف الوزير أن الحكومة رفعت الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين إلى 180 دينارا، وهو إجراء سيستفيد منه أكثر من 40 بالمائة من مجموع المتقاعدين، أي حوالي 220 ألف متقاعد، مشيرا إلى مضاعفة المنحة المخصصة للأطفال المعوقين من أبناء العائلات المعوزة.

وأوضح الوزير أن القرارات الحكومية تندرج في إطار الحرص على إرساء أرضية وطنية دنيا للحماية الاجتماعية، معتبرا أن هذا الأمر هو محل توافق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين.

وأكد أن الحوار الاجتماعي سيتواصل بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين في اطار العقد الاجتماعي، مشددا على أن هذا الحوار مفتوح على مختلف مكونات المجتمع المدني.

وعلى الرغم من التدابير الجديدة التي أعلنتها الحكومة واصلت الهيئات السياسية والنقابية رفع العديد من المطالب التي تلتقي في معظمها عند الدعوة إلى إيجاد مخرج من المأزق الاقتصادي وتلبية الاحتياجات الاجتماعية الملحة.

واعتبر نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر مركزية نقابية) أن الإجراءات الاجتماعية التي أقرها المجلس الوزاري، يوم السبت، لفائدة العائلات محدودة الدخل والعاطلين عن العمل “تعد خطوة ايجابية، لكنها غير كافية”.

وطالب الطبوبي بالإسراع في إعداد مشروع قانون مالية تكميلي يأخذ بعين الاعتبار كل الهنات التي جاءت في قانون المالية لسنة 2018، ويسعى الى تحسين ظروف ضعاف الحال ويكون قادرا على الاستجابة الى القضايا الحارقة التي يعيشها الشعب التونسي، وهو ما يتطلب ارادة سياسية على حد قوله.

وذهبت تحركات الجبهة الشعبية (معارضة يسارية) سواء في الولايات أو في تونس العاصمة إلى التعبير عن رفض قانون المالية لسنة 2018 و التنديد بغلاء الأسعار والزيادات الأخيرة التي طالت عددا من المواد الإستهلاكية.

ورفعت مسيرات الجبهة الشعبية (15 نائبا في البرلمان) شعار “الشعب يريد إسقاط الميزانية” وطالب قادتها ب”ضرورة تصحيح المسار الثوري، الذي تعتبر الجبهة أنه مازال متواصلا”، مؤكدين أن الوضع بالبلاد “ازداد هشاشة خلال السنوات السبع الأخيرة، خاصة مع تنامي البطالة والتهميش الجهوي والفساد”.

ومن جهتها دعت حركة النهضة (المشاركة في الحكم)، في بيان أصدرته بمناسبة الذكرى السابعة للثورة إلى “الإقدام على الإصلاحات الاقتصادية الكبرى وإرساء نموذج تنموي جديد يحقق العدالة الاجتماعية ويعطي الدعم لمستحقيه ويصلح الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية.”

واعتبرت الحركة أن خلق الثروة يعد أحد مداخل تحقيق العدالة الاجتماعية وحثت أبناء الشعب التونسي “على التحلي بروح البذل والعطاء لتونس كبلد مصمم على استكمال أهداف ثورته ويعول على إرادة شعبه”، مضيفة أن ” النهضة الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى الاستقرار وتمر حتما عبر التصدي للفساد وإصلاح الإدارة”.

وأكد حزب “آفاق تونس”، بدوره، تمسكه باستكمال المسار الديمقراطي والمحافظة على مدنية الدولة واحترام حقوق الإنسان، مع فرض دولة القانون والمؤسسات واعتماد منهج الحكامة الرشيدة، مبرزا انخراطه التام في مقاومة الفساد والتهريب والاحتكار والاقتصاد الموازي والتهرب الجبائي، وضمان التنمية الشاملة التي من شأنها أن تحق ق العدالة الاجتماعية…”

واعتبر الحزب، في بيان أصدره بمناسبة إحياء الذكرى السابعة للثورة، أن هذا الاحتفال “يتزامن مع تعط ل المسار الديمقراطي وتفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية”، نتيجة “التحالفات المغشوشة والفشل الذريع للمنظومة السياسية في تجاوز الأزمات الاقتصادية، فأدى ذلك إلى اختلال التوازنات المالية وتعط ل مسار بناء المؤسسات الدستورية…”.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة