في 2018.. هل يحتاج العالم العربي لثورة نسائية؟

خَطَت حكومات دول عربية خطوات لصالح تعزيز حقوق النساء. بعضها شكل قفزة نوعية وأخرى مازالت بعيدة عما هو بديهي جداً في دول أخرى. بيد أن المطالب مازالت كثيرة، فهل يحتاج العالم العربي لثورة نسائية؟
مع حلول اليوم العالمي للمرأة من كل سنة تتجه الأنظار إلى أوضاع النساء في المنطقة العربية والمعارك التي يخضنها في سبيل الحصول على حقوق، كثير منها تعتبر أمورا بديهية في العديد من دول العالم.

الملفت للنظر هذا العام، كان إطلاق إصلاحات غير مسبوقة وغير متوقعة في السعودية تخص مواضيع، كانت حتى الأمس القريب في خانة التابوهات وجرّت على من تجرأن على كسر قواعد الدولة فيها متاعب كبيرة، وصلت إلى عقوبة السجن، كقيادة السيارة. لكن ما تحقق يبقى بعيدا عن المطالب كما ترى الكثير من الناشطات السعوديات. وفي أعلى السلم تأتي التونسيات اللواتي انتزعن أخيرا حقوقا طالت المطالبة بها كزواج التونسية المسلمة بغير مسلم وتجريم العنف ضد النساء، وتستمر معركة المغربيات في تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية. أما في مناطق الحرب كسوريا والعراق واليمن فحقوق النساء تبدو موضوعا ثانويا لا يكاد التطرق إليه وسط كل الدمار والمآسي الإنسانية.

ووسط اختلاف الآراء والتقييمات لأوضاع النساء في المنطقة العربية، كيف تنظر حقوقيات وشخصيات نسائية بارزة لأوضاع النساء في بلدانهن؟ وهل يعتقدن أن العالم العربي بحاجة لثورة نسائية؟

ثورة ضد العقليات

بالإضافة إلى مكسب الزواج بغير المسلم وتجريم العنف ضد المرأة بكل أنواعه تسير التونسيات بخطى حثيثة نحو انتزاع المساواة في الإرث بين الجنسين، الموضوع الحساس في دول العالم العربي بشكل عام. ففي هذا الشهر تعتزم حقوقيات وجمعيات نسائية تنظيم مسيرة وطنية للمطالبة بإقرار المساواة الاقتصادية الكاملة بين الرجل والمرأة. ورغم كل هذا التقدم في مسار المرأة التونسية لا ترى الناشطة التونسية وممثلة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في تونس يسرى فراوس ذلك كافيا. وتتحدث  لـDW عربية عن بنود في القانون التونسي مازالت تظلم المرأة، خاصة في مجال الأحوال الشخصية (قانون الأحوال الشخصية) ومنها ما يتعلق برئاسة الأسرة التي مازالت حكرا على الرجل وتعطيه الحق في أن يقرر مقر سكنى الزوجة ويجعلها مرؤوسة في مؤسسة الأسرة مثلها مثل الأطفال، بالإضافة إلى حق حضانة الأطفال الذي يسقط عن المرأة بمجرد زواجها من رجل آخر.
ورغم أن قانون مناهضة العنف ضد المرأة الجديد في تونس يدين العنف الجنسي بكافة أشكاله مهما كان مرتكبه ما يعني إدانة ضمنية للاغتصاب الزوجي أيضا إلا أن فراوس تشير إلى البند الثالث عشر من قانون الأحوال شخصية الذي يقول، بأنه لا يحق للرجل إجبار الزوجة على البناء إذا لم يدفع مهرها، و”إذا عكسنا هذا القانون سنجد أنه يبيح إجبار المرأة على الجنس إذا منحت مهرها” كما تقول الناشطة.

وتبقى المعركة الأكبر الآن حسب فراوس هي العمل على تغيير العقليات لأنها أكبر عائق أمام فرض حقوق المرأة في المجتمع حسب اعتقادها، وعما إذا كانت تونس تحتاج ثورة نسائية تقول: “نحتاج طبعا لهذه الثورة كما تحتاجها كل دول العالم تقريبا، وبعد تسوية معركة القوانين في تونس سندخل في معركة تغيير العقليات ومن ذلك تحرير جسد المرأة والحريات الجنسيات التي مازالت مقيدة بشكل كبير في تونس”.
اليمنيات قويات رغم كل شيء

لكن من جهتها ترى الناشطة اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن الحاجة موجودة إلى استعادة الربيع العربي وليس إلى ثورة نسائية وشرحت ذلك في حديث لها لـ DW عربية بالقول: “عندما تتحرر الشعوب من الاستبداد سوف تحصل النساء على حقوقهن، ويحصل الرجال على حقوقهم، في الواقع سوف يحصل كل فرد على حقوقه. لست من أنصار فكرة إمكانية الفصل بين حقوق المرأة وحقوق الرجال، الحقوق يتم تحصيلها بالكامل أو لا يتم تحصيلها. لنفكر بطريقة غير فئوية، وسوف ننجح”.

وعن أوضاع المرأة اليمنية في ظل الحرب التي تمزق البلاد منذ حوالي ثلاث سنوات، تقول كرمان التي برز اسمها بشكل كبير خلال الثورة اليمنية وتعتبر أول امرأة عربية تحصل على جائزة نوبل للسلام: “المرأة اليمنية قوية رغم كل شيء، وتقود معركة التحرر ضد الانقلاب والاحتلال معاً، وهذا شيء مطمئن جدا… اليمنيات لم يهدأن للحظة واحدة، ومازلن يكافحن ويناضلن ضد الظلم رغم الظروف الصعبة. في كل محافظات اليمن هناك مبادرات نسائية للتخفيف من آثار الحرب، ومساعدة النازحين والعائلات الفقيرة”.

وكانت كرمان قد نشرت تعليقا لها خلال انطلاق حملة  يتعلق بحملة MeToo# العالمية ضد التحرش قائلة: ” لا أعتقد أن الحملة خدمت بطريقة جيدة في المنطقة العربية، فلايزال الحديث عن التحرش الجنسي من المحرمات… التحرش الجنسي بالنساء يجب أن يواجه الآن بكل قوة. المجتمعات التي تتعايش مع هذه الجريمة تفقد الامان والنزاهة معا”.
“إقصاء المرأة تعطيل لتنمية المجتمع”

خديجة رياضي الناشطة اليسارية المغربية ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في المغرب ترى من جانبها أن شعوب المنطقة ككل تحتاج لثورة نسائية حقيقية تجعل من المرأة شريكا في التنمية وفي القرار، لأن إقصاء المرأة هو في النهاية تعطيل لتنمية المجتمع. وفي هذا السياق تقول إن الأمية المنتشرة في أوساط المغربيات، خاصة في القرى، تجعل من مشاركة المرأة أمرا بعيدا المنال بالإضافة إلى القوانين المجحفة. وتقول رياضي في حديث لـDW عربية: “رغم أن السلطات تدعي حدوث تقدم كبير في هذا المجال وتتهم كل من ينتقد سياساتها بأنه يشوه سمعة البلاد إلا أن وضعية النساء في المغرب سيئة بشهادة التقارير الدولية والمحلية أيضا، وأستند في هذا السياق إلى تقريرين الأول للمركز المغربي للظرفية أفاد مثلا بأن المغرب يخسر 12 مليار درهم (ما يعادل 12 مليون يورو) نتيجة غياب المساواة بين الرجال والنساء. كما أن تقريرا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي يرى أن قانون هيئة المناصفة الجديد جاء مخيبا للآمال”. وعلى الصعيد العالمي تقول الناشطة المغربية إن المغرب لا يبارح المراتب العشر الأخيرة في كل تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي فيما يتعلق بالمساواة في الفرص. وتعتقد رياضي أن التغيير في المغرب يجب أن يتجاوز القوانين إلى العقليات وهذا يحتاج إرادة سياسية لتربية الأجيال القادمة على احترام النساء وينبغي أن يشمل ذلك المدارس والمساجد والإعلام وغيرها.

يشار إلى أن رياضي، وهي منسقة لشبكة تضم 22 منظمة غير حكومية بالمغرب، تعد أول امرأة من المنطقة العربية تحصل على أرفع جائزة أممية وهي جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي سبق وحصلت عليها أسماء كبيرة مثل نلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ.
“بداية عصر ذهبي للسعوديات”

السعوديات يعشن الكثير من القيود مقارنة مع نساء في مناطق عربية أخرى، إلا أن الإصلاحات الأخيرة التي أطلقها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز اعتبرت زلزالا غير مسبوق وتم الاحتفاء بها بشكل كبير. وتطلق الناشطة السعودية المؤثرة في مواقع التواصل الاجتماعي تماضر اليامي على المرحلة التي تعيشها السعوديات حاليا “بداية عصر ذهبي”. وفي حديث لـDW عربية تقول اليامي: “بعد صدور رؤية 2030 وقرار السماح بقيادة السيارة بالإضافة إلى تمكين المرأة بنسبة 30 بالمائة من العمل في القطاع الخاص بما في ذلك في مهن كانت حكرا على الرجال فقط، وكذلك عدم إلزامها بحضور محرم في العديد من المؤسسات كما كان في السابق… كل هذه المطالب انتظرناها طويلا وإقرارها الآن هو مبادرة مؤثرة”.

وبينما مازالت ناشطات سعوديات أخريات يعتبرن الإصلاحات الأخيرة غير كافية ولا ترفع القيود الكبيرة المفروضة على المرأة، وبأنها مجرد مبادرة سياسية الهدف منها بالأساس تلميع صورة السعودية في الخارج وليست إنصافا للنساء، ترى اليامي أن السعوديات مازالت أمامهن معارك كبيرة، لكن ذلك لا يعني الاستخفاف بما تحقق حتى الآن. وتضيف في هذا السياق “بغض النظر عما إذا كانت دوافع هذه الإصلاحات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو كلها معا، المهم هو النتيجة والتي تخدم نساء هذا البلد”.

وعن المعارك التي مازالت أمام السعوديات تشير الناشطة الحقوقية إلى إسقاط ولاية الرجل وهو ما سيمكن السعوديات من السفر التعليم في الخارج والعمل دون الحاجة لموافقة ولي الأمر. وفي هذا السياق تؤكد اليامي أيضا على عائق العقليات، إذ أن نظام التعليم ونظام العمل السعوديين الجديدين أسقطا شرط موافقة ولي الأمر لعمل المرأة ومع ذلك تطلب العديد من المؤسسات موافقته لأنها العقلية السائدة في المجتمع وهذا لن يتغير دون تجريم مثل هذه التصرفات في قوانين في البلاد. ورغم ذلك لا تحتاج السعوديات الآن لثورة نسائية حسب اليامي، “ربما كنا نحتاجها في زمن كانت فيه كل الحقوق في ركود وسبات. ما نحتاجه الآن هو رفع الوعي والتفكير في المجتمع وإبقاء المطالب المتبقية على سطح النقاش”، كما تقول.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة