الذئاب المنفردة الجيل الجديد لتنظيم إرهابي غير منظم يرهق أجهزة الأمن

احتضنت رحاب جامعة محمد بن عبدالله كلية الحقوق بمدينة فاس، نهاية الأسبوع الماضي مناقشة رسالة ماستر للطالب ناصر صباح سيف الماجد النعيمي بعنوان : “الجريمة الإرهابية الفردية، الذئاب المنفردة دراسة مقارنة”، وذلك تحت إشراف الدكتور محمد بوزلافة، وانطلق الباحث بتعريفه للظاهرة البالغة الخطورة التي تهدد كيان المجتمع برمته وتؤدي إلى اختلاله وعدم استقرار مصالح أفراده، موضحا كيف تسعى المجتمعات جميعا إلى مكافحتها والتخلص منها بشتى الطرق والأساليب وبمختلف صورها وأشكالها وأهدافها مهما كانت، لكونها تعمل على وضع المجتمع في حالة من الاختلال بالمقاييس والمعايير التي تؤدي لانهيار كامل لوضع الفرد داخل المجتمع.
وبأسلوب علمي جمع الباحث مختلف المعلومات كملاحظات تحليلية موضوعية، وكتب بخطوات ممنهجة، عن “الذئاب المنفردة” هذا المصطلح الإستخباري الذي يدل على قيام شخص أو أشخاص غير منظمين، ولا يخضعون إلى تنظيم هرمي، يستلمون منه التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بل يقوم الشخص أو الأشخاص، بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكانياتهم الذاتية .
وفي أطروحته التي نالت ميزة حسن، توصل الطالب / الباحث ناصر صباح سيف الماجد النعيمي، إلى أن بنية الإرهاب شهدت عملية لا مركزية واضحة من خلال ظاهرة “الذئاب المنفردة ” والكسب على الإنترنت، مشيرا في السياق ذاته أن التعمق في كشف شبكات الإرهاب، عند التحقيق مع أحد المعتقلين أو عند الكشف عن أحدهم، أصبح متعذرا بفعل هذه اللامركزية .
وعزا الباحث أساب ذلك إلى تطور طبيعة الخلايا ونوعية الاستقطاب بشكل أشر على تحول خطير في عدة الإرهابيين وأهدافهم، فرغم أن ظاهرة الذئاب المنفردة ليست وليدة العهد الحالي، بل تستمد جذورها، كما وضح ذلك في البحث، إلى الماضي البعيد وقتها اعتمد الفوضويون نظرية المقاومة بلا قيادة والتي تطورت مع حركة اليمين المتطرف وكذا مع نشطاء مناهضة الإجهاض في أمريكا خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبعد ذلك تبنتها القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي في تنفيذ أعمالهم الارهابية .
وخرج الطالب / الباحث بخلاصة أساسية على مستوى الدراسة المقارنة، تمكن في ضعف الاستراتيجية الدولية والعربية لمكافحة هذه الظاهرة، مستندا على ما أسماه في أطروحته بضعف البنية المؤسساتية الاحتوائية، ومعلوم أن ظاهرة “الذئاب المنفردة” تنامت في العقد الأخير من القرن الـ21، مثيرة رعب الجهات الأمنية في مختلف بلدان العالم، لكونها عبارة عن أشخاص يقومون باعتداءات بشكل منفرد، دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، مذكرا بنماذج الإرهاب الفردي كقضية مسرح باتاكلان بالعاصمة الفرنسية باريس عام 2015، مرورا بمطار العاصمة البلجيكية بروكسيل عام 2016 وصولا إلى هجوم مونيخ بألمانيا ..
وإذا كانت عمليات الذئاب المنفردة تختلف عن الجرائم الإرهابية الأخرى فالتقارير الأمنية الدولية تشير إلى أنه منذ عام 2005 إلى منتصف عام 2017، نفذت هذه الفئة أكثر من 25 في المائة من مجموع العمليات الإرهابية في العالم “.
وهو ما يعني أن الذئاب المنفردة أرهقت الأجهزة الاستخبارية الدولية واستنزفت قوتها، بسبب تهديدها المباشر لأرواح المواطنين، لذا يرى الباحث أن عمليات المراقبة المتواصلة لمواقع التواصل الاجتماعي مهمة وبإمكانها حل جزء ولو بسيط للكشف عن هذه الظاهرة العالمية، مبررا كيف أن عدم الارتباط المباشر لا يعني عدم وجود للاتصال الالكتروني مع منظري التنظيم، فغالبية ما يسمى بالذئاب المنفردة الذين قاموا بعمليات إرهابية كانت لهم اتصالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع منظري التنظيمات الارهابية .
وعلى صعيد متصل وقف الباحث بشكل بارز في أطروحته على الدور الكبير الذي لعبته دولة قطر في مكافحة الإرهاب إن على مستوى الدولي أو الاقليمي، إدراكا منها بخطورته، لذلك سلكت في مكافحته طريقة اجتثاثه من جذوره ومعالجة أسبابه.
هذا وقد تطرق الباحث في فصول بحثه الأخيرة إلى طرق محاربة الظاهرة وبسبل مكافحتها مفضلا اعتماد ثلاث مقاربات وصفها بالناجعة (قانونية / أمنية / اجتماعية)، مشيدا بجهود المملكة المغربية كبلد عربي استعصى على داعش، كاشفا كيف أن التعاون بين أجهزة الأمن الداخلي والخارجي أسست خاصية أمنية مغربية بامتياز، أفضت إلى تفكيك الخلايا قبل وقوع الخطر، وهي عمليات مبنية على القدرة على الوصول إلى المعلومة وتحليلها في الوقت المناسب، والتكامل الحاصل بين المعلومة الخارجية والداخلية، معترفا في نهاية المطاف أن أطروحته تبقى مجرد مساهمة بسيطة في موضوع صعب، تتعدد فيه وجهات النظر وتختلف طرق الحل من بلاد لآخر، بحسب تغير مجموعة من المعطيات والبيانات التي تشكل النواة الأولى لحل أي موضوع ومنها الموضوعات ذات الصلة بظاهرة الجرائم الإرهابية بشكل عام وبشكل خاص جرائم الإرهاب المنفرد.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة