زيان يفضح موكله بوعشرين

فعلا لم يخطئ من قال إن أكبر من يدافع عن الضحايا في قضية بوعشرين ويبدو موقنا بصواب موقفهن، هو المحامي العجيب محمد زيان. فالرجل لم يقم ولو بتصرف واحد يفيد المتهم المتابع بالاتجار في البشر والاستغلال الجنسي والاغتصاب وغيرها، بل إن كل خطوة كان يقوم بها سرعان ما تنقلب ضده وضد موكله.
فالرجل استثمر كل ما في جعبته من صراخ وتهجم على النيابة العامة وعلى محامي الضحايا وعلى الضحايا أنفسهن وأكثر من مرة. ولكن في كل مرة كان ينقلب عليه سحره. مع توالي الجلسات، صار زيان هذا رمزا للتسيب ورأس  العرقلة.
حتى خطواته “القانونية” (من دفوعات واعتراضات وتجريح في الهيئة القضائية ومخاصمته…) كشفت أن الرجل يبدو مبتدئا إن لم يكن جاهلا بالقوانين وطريقة استثمارها في الدفاع عن موكله. بل إن الكثيرين أخذوا يتساءلون إن كان للرجل فعلا إمكانات تؤهله لممارسة مهنة معقدة ودقيقة مثل المحاماة. فهو لا يتقن اللغة العربية التي يجري الترافع بها في المحاكم المغربية، ولا يبدو، وهذا هو المثير للاستغراب، أنه يملك حقا معرفة عميقة بالقوانين وكيفية توظيفها. وبدا، طيلة هذه الأسابيع القليلة الماضية، أن أقصى ما يملكه هو قدرته على الصراخ و”تخسار الهضرة”، و”تخراج العينين”، وهذه بالطبع أسلحة واهية في قضية كبيرة مثل قضية بوعشرين، تستند فيها النيابة العامة على قرائن ودلائل علمية يصعب دحضها، بل يستحيل (50 شريطا تتضمن الممارسات المشينة للمتهم على مستخدمات وصحافيات في مؤسسته الإعلامية).
ليس هذا فقط، فالرجل لم يتورع عن تحريض مصرحات على عدم الحضور للمحكمة، واضطر القاضي إلى طلب إحضارهن بالقوة العمومية وهذا ما جرى مع ثلاثة منهن.
وهو يواجه مأزقا أخلاقيا وقانونيا، بعد أن تم ضبط إحدى هؤلاء المصرحات اللواتي أصررن على التخلف عن الحضور، “مخبأة” أو “محتجزة” في صندوق سيارة بمرأب بيت زوجته الثانية في الرباط. بل وتسبب لنجليه في مواجهة مع الشرطة هما في غنى عنها.
كما أنه لا يتردد في التهجم على الصحافيين ونعتهم بنعوت قبيحة، دفعت بنقابتهم إلى إصدار بيان تحتج فيه على تصرفات هذا المحامي الفريد في زمانه. كما أن الصحافيين الذين يقومون بتغطية جلسات محاكمة بوعشرين، يتجهون إلى مقاطعته وإغلاق النافذة التي يطل منه على الرأي العام بشطحاته وتصريحاته المثيرة للسخرية.
الأدهى أن الرجل لم يلتزم حتى بتلك السرية المفروضة على المحامي مع موكله. ولم يتردد في دردشة جانبية في الكشف عن كونه يؤمن بأن المتهم بوعشرين متورط في التهم المنسوبة إليه، بل إن أحد المواقع كشف أن هذا المحامي العجيب تقمص دور القاضي وتنبأ لموكله بالحكم الذي يعتقد أنه سيصدر في حقه (قال ما بين 5 و10 سنوات نافذة) ! ليس هذا فقط، فالرجل كشف لمقربين منه حتى بعض الأشياء المحرجة لموكله وتدخل في خانة “المجالس أمانة ولا يجب كشف ما جرى فيها، كما لا يتردد  في  التصريح امام الملأ أن المتهم ترجاه “القيام بالمستحيل” حتى يتجنب المواجهة مع هذه المصرحة التي أقرت أمام القاضي بأن “علاقة حميمية” تجمعها مع مدير أخبار اليوم، وأن الشريط الذي عرض عليها يخصها هي والمتهم، كما قالت إنها لم تكن على علم بتصويرها في هذه الأوضاع الساخنة معه في مكتبه بمقره الجريدة بالدار البيضاء. وذهب هذا المحامي إلى حد القول إن المتهم أجهش بالبكاء المرير في تلك “الجلسة التخابرية”.
لم يتوقف هذا المحامي العجيب عند هذا، بل إنه لم يجد حرجا في الكشف عن كونه لا يروم الدفاع حقا عن مصالح بوعشرين الذي وكله وبثمن باهض، بل إن هدفه هو شن “حرب سياسية” على جهات أخرى، و”استفزاز” الدولة التي يقول إنه “خدمها لعقود”، ولكنها لم تعد الآن تلتف إليه.
طبعا يحير المرء في إعطاء نعت لكل هذا الخليط من التصرفات الهوجاء لهذا الرجل، ولكن لعل الوصف الأقرب للصواب، هو البلاهة (أو بالفرنسية la bêtise). وهي لا دواء لها، فحتى آلهة الأغريق عجزت عن مكافحتها كما قال الشاعر الألماني شيلر مرة.
علي الغنبوري .. فاعل حقوقي

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة