الإنفلونسر.. نشاط اجتماعي أم “مهنة إعلامية” مربحة؟

في الإمارات بات على “الانفلونسر” أن يحصل على رخصة عمل تقتضي دفع أربعة آلاف دولار كل عام ليتحول النشاط الذي بدأ نشاطاً اجتماعياً ليتحول إلى مهنة تجذب البعض. ما تأثير ذلك عليهم وهل يدرك الجمهور أنهم واجهة إعلانية؟
في يوليو من عام 2016 نشرت زينب عزام واحدة من أشهر المؤثرين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، أو كما يطلق عليهم البعض “الإنفلونسرز”، فيديو قصير عبر حسابها على انستغرام. وأشادت فيه بتجربتها الناجحة في إزالة الشعر بالليزر من دون ألم، في أحد المراكز الصحية. لكنها بعد فترة قصيرة نشرت فيديو آخر تشتكي فيه مما أصابها من حروق وندوب في مناطق مختلفة من جسدها نتيجة الأمر ذاته.

كان الغضب يسيطر عليها وشكواها تتكرر من المركز الطبي الذي ألحق بها هذا الضرر، لكنها رغم لم تعتذر لنحو مائتي ألف متابع، ترشح لهم دوماً منتجات تجميل ومطاعم وفنادق ومقاهي، تخصصت في الإعلان عنها بمقابل مادي محدد وصنعت شهرة كبيرة جعلتها وجهاً إعلانياً مشهوراً في مصر.

خلال السنوات الخمس الأخيرة تحول هذا النشاط إلى صناعة واسعة تجتذب الكثير من الشباب لتحقيق الأحلام بشهرة سريعة وجني مال وبوابة إلى أشكال أخرى منها كاحتراف التمثيل وتقديم البرامج التلفزيونية بتقديم محتوى للمتابعين عبر حسابات فيسبوك وتويتر وانستغرام.

لا نربح كما تظنون

عالية هاني إنفلونسر أخرى في مصر، يتابعها أكثر من نصف مليون شخص على حسابها على انستغرام فقط، وتعرف نفسها بأنها حاصلة على جائزة أفضل انفلونسر على وسائل التواصل الاجتماعي، وإن فيديوهاتها شوهدت عشرات الملايين من المرات.

تقول عالية في حديث مع DW عربية: “مَنْ يعلن عبر حساباته عن منتجات، يتضح أنها مجهولة المصدر أو تسبب آثار صحية سيئة. وعادة ما يكون صغير السن أو حديث العهد بالمجال ولا يملك من الخبرة ما يجعله يميز الأمر ويرفض القيام به”. وتضيف أن مسألة الإعلان نفسها ليست الهدف ولا تحبذها أو تقبل الكثير منها.

ما يراه البعض احترافا لتلقي الهدايا والإقامات المجانية من المعلنين تعتبره عالية أمراً غير مربح، معللة ذلك بأنها كثيراً ما تنفق مبالغ تصل إلى قيمة تساوي ما يتلقى من هدايا تصله من الشركات في شكل مدفوعات جمركية وخدمات التوصيل”.
وتعليقاً على الانتقادات لغياب تأثيرهم الاجتماعي تقول عالية إنها بادرت بالحديث عن أشياء لم تطلبها شركات أو جهات معلنة، كما فعلت بدعوة سلسلة مطاعم شهيرة إلى تقديم وجبات مجانية لغير القادرين وأطفال الشوارع، وهم “ما أعجبهم وشجع مطاعم أخرى على المشاركة”.
المتابعون بوابة الشهرة

كثير من الانتقادات التي توجه لهذه الظاهرة تتعلق بمقومات أصحابها، وهل يكفي العدد الكبير من المتابعين الذي يمكن شراؤه بأشكال مختلفة ليصبح صاحب الحساب إنفلونسر. لا تستعبد عالية شرط العدد الضخم من المتابعين لكنه تضيف إلى ذلك وجود رغبة لدى الشخص في تقديم شيء مؤثر ومفيد للمجتمع، وتضرب مثلاً بما جرى معها حين وصلتها ردود فعل مشجعة على ما تقدمه من معلومات ونصائح في مجالي الأزياء ومستحضرات التجميل.

تقنين الظاهرة وفرض مبالغ مالية مقابل التصريح بممارستها أمر بدأته العديد من الدول، لكن عالية تقارن ذلك بمصر وتعتبر أن “هذا النشاط في بلدها أقل جدوى ونجاح مما يجري في الخارج، حيث تتكفل شركات وجهات بتنظيم الأمر والاستثمار في هذه النماذج”. ولذلك تتوقع أن يتأخر تطبيق ذلك في مصر.

كثير من المؤثرين انتقلوا من هذا النشاط إلى غيره، واعتبروه مدخلاً وخطوة إلى مجالات أخرى كالتقديم التلفزيوني أو عروض الأزياء أو التمثيل، لكن عالية لا ترى نفسها في أي منها وتريد الاستمرار في موقعها الحالي.

بديل إعلاني؟

يهتم نصري عصمت الصحفي المختص بالإعلام الرقمي ومدير التحرير السابق لشبكة ياهو في الشرق الأوسط برصد هذه الظاهرة ومراحل تطورها. وفي حديث لـDW عربية يقول إن الانفلونسرز “شريحة من التدوين بأشكاله المختلفة التي بدأت بالكتابة النصية ثم انتقلت إلى الصور والفيديو لأنهما الأكثر انتشاراً والأسهل في الاستهلاك”.
لكن متى بدأ هذا التحول إلى الإعلان ؟ يجيب عصمت أن الأمر بدأ بمبادرات من فرق تسويق في شركات ومؤسسات، أدركت أن المستهلك لم يعد يتأثر بالإعلانات التقليدية، ويتحمس لتجارب محيطين به عن مطاعم ومنتجات بشكل أكبر. “من هنا اتجهت الشركات إلى البحث عمن يتولى المهمة، تعطيه رسائل تريد نشرها، وتصنع به محتوى تمرر خلاله ما تريد إعلانات”.

لم يتوقف الأمر عند ذلك ولكنه امتد إلى ظاهرة جديدة، يقول عصمت عنها: “وبزيادة الإقبال على ذلك بدأت تتحول إلى مهنة، ويصبح لكل واحد من المؤثرين تسعيرة خاصة واشتراطات محددة ومدير أعمال يرتب ظهوره وتعاقداته، ووصلت المبالغ التي يتلقونها إلى مستوى غير مسبوق”.

من خلال ما رصده عصمت فإن قطاعاً من المؤثرين يكون شفافاً ويصرح بأن المنتج مقدم من جهة معلنة، بينما البعض الآخر لا يفصح عن ذلك وهو ما يؤتي تأثيراً سلبياً، “يجعله في النهاية يفق شرعيته ورصيده وينقله من خانة الناس العادية والإعلام الاجتماعي إلى مساحة الإعلان التقليدي المباشر”، كما يصفه.
بدأ الجمهور يدرك ذلك أيضاً، ويتضح ذلك من نشاط  بعض صفحات فيسبوك التي يتابعها الملايين حين تنشر محتوى إعلاني، يكون التفاعل أقل بكثير من الرسائل والكتابات العفوية والمنشورات العادية.

 تحت عين السلطات

انتشار الظاهرة وتحولها إلى نشاط اقتصادي دفع السلطات في عدد من الدول إلى بحث طرق التعامل معه، كما حدث في الإمارات العربية بعد أن أعلن المجلس الوطني للإعلام قوانين تشترط التسجيل لدى الحكومة للحصول على رخصة ممارسة قبل نهاية يونيو الجاري مع توقيع غرامة تصل إلى خمسة آلاف درهم إماراتي على المخالفين. وهو ما يراه عصمت رد فعل لتحول الأمر إلى مهنة يجني أصحابها مبالغ كبيرة.

“الأمر في الخليج يجلب عائداً كبيراً، فالفتيات مثلاً يؤثرن في نظيراتهن ويتحكمن في الانفاق الكبير على مجالات الرفاهية والعطور والملابس والمنتجات المنزلية

لم يكن القرار بحسب عصمت سعيا فقط نحو احتواء لإحتواء هذا النشاط الاقتصادي ووضعه داخل المنظومة الرسمية، ولكنه احتوى أيضا على رسالة مبطنة بأن الناشطين فيه تحت الأعين. خصوصاً بعد حملات كثيرة كتلك التي دعت قبل شهور إلى “تبليك/ حظر المشاهير” بعد استياء مما اعتبره المتابعون تلاعباً بالمشاعر واهتمامات الجمهور وشعوراً بأن الأمر بات شكلاً من أشكال الغش.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة