قضاة وحقوقيون ينتقدون رفض الدولة تنفيذ الأحكام القضائية

أعرب قضاة وحقوقيون، خلال ندوة وطنية حول “عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة” نظمها أمس السبت، مرصد عدالة بالمغرب، بنادي هيئة المحامين بالرباط ، أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضد الدولة وإداراتها ومؤسساتها العمومية والجماعات المحلية، يعتبر عبثا وينطوي على إهانة للقانون وللقضاء، كما يعد مكافأة للمعتدين على الحقوق وتبخيسا لأصحاب الحقوق المعتدى عليها.

وشارك في هذه الندوة كل من نادي قضاة المغرب ووزارة العدل والحريات وجمعية عدالة، بحضور ممثلين عن ومؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

وفي هذا الصدد، كشف هشام رياني القاضي الملحق بمديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل، أن نسبة تنفيذ الأحكام القضائية النهائية في مواجهة أشخاص القانون العام (إدارات ومؤسسات الدولة والجماعات المحلية) لم تتجاوز حوالي 45 في المائة خلال سنتي 2012 و2013 و47.67 في سنة 2014، وهو ما يبرز بشكل جلي تعنت الإدارة في تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها .

وتحدث القاضي عن المعيقات القانونية التي تحول دون التزام إدارات الدولة بتنفيذ الأحكام القضائية ومنها عدم استيعاب الأحكام لخصوصيات الادارة التي تختلف طبيعة اشتغالها عن منطق اشتغال الأشخاص الذاتيين، مبرزا أيضا أن مبدأ عدم جواز الحجز عن الأموال العمومية، المنصوص عليه في قانون المسطرة الحالية، يعرقل تنفيذ الأحكام القضائية في ضوء قاعدة الحفاظ على سير المرفق العام بانتظام.

ولفت إلى أن القضاء الإداري وللتخفيف من هذا المبدأ أجاز الحجز على الأموال العامة والتنفيذ عليها بما لا يعرقل سير المرفق العام وذلك كاستثناء ، وكذلك الحجز على الأموال الخاصة لأشخاص القانون العام المرصودة لخدمة المرفق العام دون أن تؤثر على سيره.

وأكد قاضي وزارة العدل أن أسلوب المناشير المعمول به من قبل الوزراء الأولين سابقا والذي يحث الإدارات على تكثيف جهودها لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها أبان عن قصوره لغياب الطابع الالزامي لتنفيذه، مشيرا إلى أن مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي أعدته وزارة العدل والذي سيعرض على البرلمان، خصص فرعا ولأول مرة يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام ويوقع عقوبات مدنية وتأديبية على شخص القانون العام أو المكلف بالتنفيذ الذي يمتنع عن التنفيذ غير المبرر كما يجبر الإدارة على أداء المستحقات المحكوم بها وإذ لم تكن كافية يتوجب عيلها برمجتها في ميزانيتها للسنة الموالية مباشرة .

ومن جهته، أكد محمد الهيني عن نادي القضاة بالمغرب وجمعية عدالة أن مسلسل التقاضي ضد إدارات ومؤسسات الدولة يستغرق وقتا وإمكانات وعندما يصدر الحكم القضائي ويصبح نهائيا ولا يتم تفعيله فإن الأمر يصبح عبثيا.
وأبرز الهيني، نائب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة، إن تنفيذ الأحكام صار مبدءا دستوريا وفقا للمادة 126 التي تلزم الجميع باحترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء، لافتا إلى أنه بعد 4 سنوات تسجل مواقف سلبية من قبل إدارات الدولة التي تمتنع عن تنفيذ أحكام القضاء الصادرة ضدها وهو ما اعتبره ظاهرة مقلقة وسلبية تخل بمبدأ العدالة مما يستوجب تدخل المشرع.
ودعا إلى تفعيل قاضي تنفيذ الأحكام الادارية ، والتنصيص في مشروع المسطرة المدنية على المسؤولية الشخصية والجنائية للموظف العمومي الذي يرفض تنفيذ الأحكام القضائية ، ونشر لائحة الإدارات التي ترفض تنفيذ احكام القضاء الصادرة ضدها للتشهير بها.
النقيب بن عمرو، رئيس مرصد العدالة بالمغرب، كان أكثر حدة في تفاعله مع هذا الموضوع بحكم معايشته لقضايا عديدة حصل فيها على احكام قضائية نهائية ضد مؤسسات الدولة وإداراتها ليصطدم برفض وامتناع الادارة عن تنفيذ هذه الأحكام. وحكى عن قضية لا تزال حديثة تتعلق بالحكم لصالحه في قضية “الصابو” دون أن تعمل بلدية الرباط على اتخاذ الاجراءات من أجل تنفيذ هذا الحكم أو ما يتعلق بقضايا نزع الملكية من المواطنين، حيث تطول الدعاوى في المحاكم والتي قد تصل الى 15 أو 20 سنة .
وقال إن المفروض في إدارات الدولة ومؤسساتها أن تكون مثالا ونموذجا في الامتثال لسلطة القانون والأحكام القضائية النهائية التي تتمتع بقوة الشيئ المقضي به، معتبرا عدم تنفيذها لهذه الأحكام بأنه إشكال أخلاقي وقانوني، مذكرا بمقولة الوزير الأول البريطاني تشرتشل إبان الحرب العالمية الثانية أنه يفضل أن يقال عنه أنه خسر الحرب على أن يقال عنه أنه رفض تنفيذ حكم قضاة بريطانيا خلال نزاع بشأن حكم قضائي بتحويل مقر مطار عسكري الذي كان مستهدفا من قبل قوات هتلر.
وحمل النقيب بن عمرو مسؤولية إلزام الإدارة بتنفيذ الأحكام للبرلمان لعدم سده الثغرات التشريعية في المجال وتفعيل آليات مراقبة الحكومة، مقترحا القيام بتحركات جماهيرية ونشر جميع الاحكام غير المنفذة وأسماء الادارات التي تمتنع عن التنفيذ وعقد مناظرة وطنية في الموضوع والقيام بمسيرة وطنية تتوجه نحو البرلمان ووزارة العدل يشارك فيها ضحايا عدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية ضد الإدارات.
وحسب الأرضية المعروضة في هذه الندوة الوطنية فإن العدالة في المغرب تعيش عدة أعطاب خطيرة تتعلق باستقلالها ونزاهتها وكفاءتها وفعاليتها.. ومن الأعطاب الخطيرة عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية النهائية الصادرة ضد الدولة وإدارتها ومؤسساتها العمومية وضد الجماعات الترابية المحلية.
وعدم تنفيذ الأحكام القضائية من قبل الدولة وإدارتها يجعلها، استنادا إلى الأرضية، بعيدة عن الوصول إلى دولة الحق والقانون ، وبالتالي عن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا غنى عنه لتحقيق التنمية على كافة المستويات.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة