الأطباء يدعون إلى عدم متابعتهم بالاعتماد على القانون الجنائي

نظمت الجمعية الجهوية للمصحات الخاصة بجهة الدارالبيضاء سطات، السبت الماضي، يوما دراسيا بأحد فنادق العاصمة الاقتصادية، بمشاركة خبراء مغاربة وأجانب، تم خلاله التطرق إلى عدد من المحاور الآنية التي ترخي بظلالها على المنظومة الصحية ببلادنا وعلى يوميات المرضى ومهنيي الصحة على حدّ سواء.

وافتتح فعاليات هذا اليوم الدراسي، البروفيسور مولاي احمد بودرقة، أستاذ جامعي في الإنعاش والتخدير ورئيس الجمعية المنظمة، حيث استعرض في مداخلته تفاصيل تشكيل مكتب جهوي للجمعية الوطنية للمصحات الخاصة على صعيد جهة الدارالبيضاء سطات، والدوافع التي ساهمت في تحقيق ذلك، إلى جانب الأهداف المسطرة، التي تهم المساهمة في النهوض بالمنظومة الصحية، وتنزيل البرنامج الوطني، وتطوير القطاع بشكل عام.

وشدد بودرقة على أن اليوم الدراسي هو أول نشاط رسمي للجمعية الفتية، تم اختيار محاوره البالغة الأهمية بمنتهى الدقة، حتى تكون خلاصاته مفيدة للجميع، بالنظر إلى راهنية الإشكالات المطروحة للنقاش، ويتعلّق الأمر بالجانب الضريبي والمراقبة الضريبة، والتدبير المالي للمصحات، والمسؤولية المدنية والقانونية للأطباء، وذلك بمشاركة خبراء مغاربة وأجانب.

الكلمة الثانية كانت للبروفسور بنعكيدة الرئيس السابق للجمعية الوطنية واحد الفاعلين الأساسيين في الأشواط التي قطعتها المصحات الخاصة، إلى جانب البروفسور تيال نائب رئيس الجمعية الوطنية للمصحات لخاصة، لربط ما هو وطني بما هو جهوي وسياقات اشتغال المصحات الخاصة والتفاعلات التي تحيط بها.

وخلال اليوم الدراسي تتالت المداخلات، حيث أكد البروفسور هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، أن “المسودة الأولية لمشروع القانون المنظم للمسؤولية المدنية للأطباء، المعد من طرف وزارة العدل، يتضمن جملة من المقتضيات التي تجعل من الخطأ الطبي أساسا للمسؤولية الطبية، سواء بالنسبة للأطباء أو المصحات الخاصة، فيما جعل تعويض المريض عند وفاته لذوي حقوقه أو عند وقوع ضرر علاجي محتمل غير ناجم عن أي خطأ طبي، مبنيا على التضامن الوطني من خلال إحداث صندوق خاص تشرف عليه وزارة الصحة”.

وأضاف البروفسور بنيعيش “أن عددا من الأحكام القضائية الصادرة في قضايا المسؤولية الطبية كانت ترتكز على أساس المسؤولية التقصيرية ولو بوجود عقد طبي مسبق، أو تستند على المسؤولية العقدية حتى و لو بدون أي تشكل للعقد الطبي، كما هو الشأن في حالة الإستعجال القصوى أو حالة المريض الفاقد للوعي، مقدما مقارنات بين أحكام أصدرها القضاء المغربي وأخرى مشابهة أصدرها القضاء الفرنسي، والتي كانت نتائجها تعرف اختلافا، خاصة وأن أحكاما مغربية تم تعليلها باحتمالية كون فعل الطبي الذي مارسه الطبيب قد يكون هو الذي أدى إلى نتيجة الضرر، رغم عدم وضوح العلاقة السببية”.

المداخلة القانونية، القاها المحامي حسن هروش، محامي بهيئة الدارالبيضاء، بين فيها “المسؤولية المدنية للمصحات الخاصة على ضوء الاجتهاد القضائي”، أن “ما يميز الطب عن مهن أخرى كونه يرتبط بجسم الإنسان وحياته”، مبرزا أن “الفقه والقضاء والقانون لهم نظرة تختلف حول مسؤولية الطبيب عن أخطائه، حيث استقر الفكر القانوني على ضرورة مساءلة الطبيب عن أخطائه التي يرتكبها بمناسبة ممارسته لمهنته”.

ووقف هروش عند “الوضعية الإدارية والتنظيمية للطبيب والمؤسسات الصحية من خلال المواد 33 و 59 و 72 وكذا 87 من القانون 131.13، هذه الأخيرة التي تفيد بترسيم العلاقة بين الطبيب وبين المؤسسة الصحية”، مشيرا إلى “أن المشرع المغربي لم يحدد طبيعة المسؤولية المدنية للطبيب، ونفس الشيء بالنسبة للتشريعات المقارنة كما هو الحال بالنسبة للتشريع الفرنسي والمصري”، مؤكدا “اختلاف الفقه والقضاء حول طبيعة هذه المسؤولية حيث يمكن التمييز بين اتجاهين، الأول يضفي على هذه المسؤولية الطابع التقصيري، والثاني يقول بأنها ذات طبيعة عقدية”.

وأكد ذ هروش “أن الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود بشأن المسؤولية التقصيرية، نصّ على ضرورة التعويض عن الضرر إذا تبث أن الفعل هو السبب المباشر الذي أدى إلى حصوله، وكذا الفصل 78 الذي ينص على إثبات كون الخطأ هو الذي أفضى بشكل مباشر إلى الضرر”، مشيرا إلى “أنه لكي تنعقد مسؤولية الطبيب في إطار المسؤولية التقصيرية فإنه يتعين على المريض أو ذوي حقوقه إثبات تقصير الطبيب في العناية بالمريض على نحو ألحق ضررا به، ولا يتحلل الطبيبة من المسؤولية إلا إذا أتبث خطأ المريض أو القوة القاهرة”.

وختم اليوم الدراسي بإصدار عدد من التوصيات أكدت على تحمل المسوؤلية المدنية والقانونية في حالة التقصير وفقا لما تنص عليه نصوص قانونية محددة، وضرورة أن تكون المصحات تحظى بتأمين شأنها في ذلك شأن الأطباء، إلى جانب دعوة الهيئة الوطنية للأطباء لفتح نقاش جاد ومسؤول مع وزارة العدل من أجل إيقاف المتابعات القضائية ضد الأطباء طبقا للقانون الجنائي، وضبط وتحديد المفاهيم التي تخص الخطأ الطبي، والعمل على إحداث هيئة وسيطة بين المحاكم والأطباء تتكون من خبراء واختصاصين للتدقيق في هذه المفاهيم وما يحيط بها وتبعاتها.

ومن بين الخلاصات الأخرى التي خلص إليها المشاركون في هذا الحدث الصحي والعلمي، التوصية التي همّت التأكيد على ضبط التدبير المحاسباتي للمصحات بشكل سليم، وواضح بخارطة طريق شهرية، تسمح بالوقوف على أية اختلالات ممكنة، من أجل سياسة تدبيرية ناجعة، وضرورة الاستعانة بخدمات خبراء واختصاصيين في المجال المحاسباتي والضريبي وتدبير المخاطر، مع التنبيه إلى حجم القلق الذي يعيشه المهنيون نتيجة لبعض الممارسات الإدارية المرتبطة بالمراقبة الضريبية، والتشديد على أن تدبيرا محاسباتيا شفافا لا يضمن نجاح أجواء المراقبة، وهو ما يستوجب الاستشارة مع خبراء في المجال الضريبي والقانوني لتفادي أي انحراف في هذا الإطار، والتشديد على ضرورة مواصلة اللقاءت التكوينية في عدد من المحاور الأساسية المرتبطة بالعمل اليومي للأطباء والمصحات.

Total
0
Shares
أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشورات ذات الصلة