المغرب- عندما تكون “الخيرية” حافزاً وليست وصمة عار للبنات

في حين تعاني بنات “الخيريات” من شدة النظرة السلبية والدونية إليهن، تنجح بعضهن في مواجهة الواقع، ويعترفنّ أنهن بنات الخيرية بالفعل، بعدما تمكنّ من إثبات ذواتهن. DW عربية التقت في المغرب مع نماذج ناجحة لبنات الخيرية.

“دار الطالبة”، “الخيرية” أو “دور الرعاية الاجتماعية” كلها مسميات لمؤسسة واحدة، تأوي الفتيات المُتَخَّلي عنهن أو اللائي فررن من أسرهن اتقاءً لشر الزواج القسري، كما تستقبل أيضا النساء الناجيات من العنف والاغتصاب الزوجيين. وتعتبر “الخيريات” بالمغرب بمثابة الملاذ، الذي مكن مجموعة من الفتيات من الاندماج في سوق العمل وتخطي آلام الماضي.

تحكي “كبيرة” أنها ترعرعت بـ”الخيرية” منذ طفولتها، والسبب في ذلك هو التفكك الأسري، الذي نجم عن جريمة قتل، الجاني فيها هي الأم، التي قتلت زوجها بعدما حاول هتك عرض الطفلة “كبيرة” عندما كان عمرها آنذاك 13 عاما، ليتم الزج بالأم في السجن، وحكم عليها بالإعدام، بينما فارق الأب الحياة وهو ملطخ بدماء الغدر كما تسميها “كبيرة”، بعدما كاد أن يقدم على اغتصاب الطفلة، وهو فاقد للوعي لأنه كان مدمناً على الكحول والمخدرات.

وتقول “كبيرة” إن النظرة السلبية “ظلت قرينتي التي تلازمني وأنا البالغة من العمر اليوم 30 سنة”. هذه النظرة جاءت لأنها عاشت بالخيرية من ناحية ومن ناحية أخرى لكون الجميع من حولها كانوا على علم بسبب لجوئها لهذه المؤسسة وهي في سن 13 سنة. غير أن الأمر لم يعترض طريق النجاح، بل نفضت “كبيرة” غبار الماضي وتجاهلت النظرة السلبية للخيرية، التي لم تعتبرها قط وصمة عار أو خجل، بل حافزا للعمل.

تقول كبيرة إن التحدي الأصعب لم يتمثل في النظرة السلبية فحسب، بل في أن الخيرية لم تكن مكانا رحبا ومؤثثا بما يجب لإتمام الدراسة، كونها وجدت نفسها وهي في سن 18 مكرهة على الزواج برجل كهل يكبرها بسنوات، لتختار حل الطلاق بعد سنتها الأولى من الزواج؛ حتى تمكنت من إتمام دراستها وتحقيق الحلم الذي لطالما سكن بدواخلها.

مريم: حضنٌ في مجتمع يلفظ أبنائه

أما مريم البالغة من العمر 26 عاما فتصنف ضمن “المناضلات الرقميات”، لأنها لم تخجل يوما من كونها درست في مؤسسة الرعاية الاجتماعية، ولم تغادرها إلا وهي حاملة لمجموعة من الشهادات، التي تشهد لها بالقدرة على امتهان الحرف اليدوية، فضلا عن حصولها على شهادة في العلوم التقنية، متخصصة في الكومبيوتر.

تمكنت مريم من تحدي النظرة السلبية، التي وسمت حياتها خصوصا وأنها تعاني من إعاقة قصر القامة، وبالرغم من ذلك قاومت النظرة السلبية للمجتمع، الذي يصنفها في خانة “بنات الخيرية”. وتعتبر مريم اليوم من أهم الناشطات على مستوى المنصات الرقمية، خصوصا الفيسبوك، كونها تتحدث عن التحديات، التي واجهتها في مرحلة الدراسة، بسبب احتقارها واعتبارها أقل قيمة من باقي الفتيات، اللواتي يتمتعن بصحة جيدة. وتقول مريم إن هذه التحديات دفعتها إلى توظيف الفيسبوك للكشف عن المصاعب التي كانت بمثابة الحافز لمتابعة دراستها والحصول على شهادة مهنية.

وفضلاً عن العالم الرقمي، تمكنت مريم من إيصال صوتها لمجموعة من الجمعيات وهيئات المجتمع المدني، الذي تطالب من خلاله بضرورة إنصاف المرأة خصوصا، ذوات الاحتياجات الخاصة واللائي يفتقدن للمعيل، كونهن ترعرعن في الخيرية.

وتؤكد مريم في حديثها لـ DW عربية أنها تفتخر بكونها عاشت بين أحضان مؤسسة الرعاية الاجتماعية، ولا تجد في الأمر مدعاة للخجل، خصوصاً وأنها تمكنت من الحصول على مجموعة من الشواهد المهنية التي تثبت مهارتها وكفاءتها، مضيفة أنها لا تأبه للنظرة السلبية بل تعتبر الأمر مدعاة للفخر والاعتزاز مادامت تصر على تحقيق الذات والنجاح.

خديجة: دارٌ لمن لا دار له

وفي قصة نجاح أخرى كانت “دار الطالبة” هي الحضن الذي لجأت إليه خديجة لمتابعة دراستها، ولأن الظروف المعيشية لأسرتها حرجة وليس بمقدورهن تحمل تكاليف الدراسة، لجأت الشابة البالغة من العمر 27 سنة وهي أم لطفل اليوم، إلى دار الطالبة وهي مؤسسة الرعاية الاجتماعية التي تأوي الطالبات المعوزات أو المتخلى عنهن، إذ أنها لم تأبه للنظرة الدونية التي توجه لها من قبل زملاء الدراسة بل أصرت على مواجهة التحديات وإثبات الذات.

قضت خديجة قرابة ثلاث سنوات بهذه الدار الخيرية، وتمكنت من الحصول على الإجازة في مهنة التمريض، وتقول إنها اختارت هذه المهنة لكونها تتمتع بالحس الإنساني والتضامني مع الآخر، لتنفتح بعد ذلك على العمل الإنساني والاجتماعي بشتى أشكاله، خصوصا في شقه المرتبط بالمرأة، إذ أنها انخرطت في عدة جمعيات تعنى بتوعية المرأة والفتاة بأهمية متابعة الدراسة، مؤكدة في حديثها لـDW عربية أنها لم تعتبر قط مؤسسة الرعاية الاجتماعية التي احتضنتها أمراً يجلب العار والخزي، بل على العكس فإنها تفتخر بذلك وتعتز بنجاحها.

الشنا: الخيرية تجاوزت الدور الكلاسيكي

تقول عائشة الشنا، الناشطة الحقوقية، لـ DW عربية إن الخيرية مؤسسة ذات أهمية كبيرة في المجتمع، لأنها تساهم في حماية المرأة التي تعيش وضعية صعبة، وأكدت أن الفئة الأكبر، التي تتوجه للخيريات ومؤسسات الرعاية الاجتماعية هي الأمهات العازبات اللواتي يحملن أطفالا دون أباء يترعرعن بين أحضان المؤسسة.

وأضافت الشنا أن الخيرية هي الملاذ الوحيد، الذي تلجأ إليه الأمهات العازبات مخافة من التشرد، مشيرة إلى أن الخيرية لم تعد تقتصر على الأدوار الكلاسيكية القديمة المتمثلة في الإيواء فقط، وإنما أصبحت فضاء تربويا يقدم الدعم النفسي والتوجيه العلمي، مع الحرص على التكوين والتأهيل.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة