مهرجان مراكش بعيون محمد باكريم

في البداية يجب أن نحيي العودة الناجحة لمهرجان مراكش. فنجاح الحدث ملموس، حقيقي، تجسده على أرض الواقع لحظات وصور لها رمزيتها القوية. وقد حافظ هذا الحدث بالتالي على مكانته كتظاهرة سينمائية من مستوى عالمي. ووضع المغرب، هذه المرة كذلك، في قلب الأحداث السينمائية الدولية بفضل مشاهد تشكل قاطرة ترفعه عاليا في عيون العالم. وهناك صور تؤكد هذا المنحى؛ فرؤية فوزي بن السعيدي يحاور مارتن سكورسيزي، أو نرجس النجار تناقش أنييس فاردا، كلها تشكل لحظات لا تنسى في حياة المهرجان ومهنة السينما بالمغرب. نفس الشيء يقال عن اللقاءات (حوارات، سيلفيات…) التي أجراها صحافيون ونقاد مغاربة مع أسماء أسطورية في السينما الامريكية (روبير دي نيرو/ جمال الخنوسي، جيمس غراي/ سعيد المزواري…)

كماعرف البساط الأحمر أيضا نجاحا كبيرا وشغفا مميزا من طرف النجوم المحليين بحضور جمهور مفعم بالحماس، ومناخ سخي احتفل على طريقته بهذه العودة.

إن هذا النجاح يدفعنا ان نتسائل  عن مدى وجاهة إلغاء/ تأجيل دورة 2017. ويظهر اليوم ان سبب هذه الاستراحة يختزل في النهاية في اعفاء المدير الفني الفرنسي السابق، وشركة الإنتاج التابعة له مادام المهرجان قد حافظ على ما يشكل جيناته.وعلى خطه التحرير

فهل نقول “كل هذا من أجل هذا؟” ! كان بالإمكان،وتاسيسا على أسباب وجيهة، إعفاء المدير الفني السابق غداة الدورة 16، أي يوم الأحد، وتعيين فريق جديد يوم الاثنين الذي يليه، حتى يكون لديه فضاء زمني كاف لإعداد مقاربة فنية جديدة للمهرجان.

إن الإدارة الفنية الجديدة (قيادة جماعية؟) لم يكن لديها سوى بضعة شهور لإعداد تصورها الذي لم يخيب الأمل في نهاية المطاف. وهذا صحيح، بقدر ما أنه لم يكن هناك سعي لخلخلة الهيكلة العامة للبرمجة. وهل كان بإمكانها القيام بغير هذا؟ يساورني الشك، بما أن كل المهرجانات أخذت اليوم تتشابه (مسابقة رسمية، ماستر كلاس، تكريمات، عروض خاصة…).

صحيح أنه تمت إضافة أو إعادة برمجة فقرات، بعض منها موجه لطمئنة مهنة السينما بالمغرب، مثل بانوراما الأفلام المغربية، وهي مبادرة فيها نظرتتطلب نقاشا هادئا، وسنعود إليها فيما بعد. في انتظار ذلك دعني أقول كلمتين: لا يمكن لمهرجان مراكش أن يحل محل مهرجان طنجة.

ماذا عن النتائج؟ إنها تعكس حالة المسابقة الرسمية. فالأفلام الثلاثة التي حلت في المقدمة تم مشاهدتها في الأيام الثلاثة الأولى للمسابقة الرسمية، وبالتالي فالنتائج حسمت مبكرا جدا، ولم تصلح الأيام الأخرى لهذه المسابقة سوى لملء الخانتين الباقيتين (جائزتي أفضل دور، التي تتميز بتغيرها الشديد، وبالتالي انفتاحها على كل الاحتمالات).

إن هذا الأمر كان مثيرا خاصة وأن العديد من الملاحظين لمسوا المستوى المتواضع لأفلام الأيام الأولى للمهرجان، والتي لم ينقذها سوى فيلم خارج المسابقة، “روما” للمخرج ألفونسو كوارون.

يجب الإقرار بأن المنطق الثقافوي الذي هيمن على قائمة الأفلام الرسمية لهذه الدورة اختزل دور ربع الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية في “التمثيل الجغرافي” لا غير، كما هو حال الأفلام القادمة من المغرب، تونس، مصر والسودان. لم يكن لدى هذه الأشرطة أدنى فرصة للظفر بالنجمة الذهبية، أو جائزة لجنة التحكيم أو جائزة أفضل إخراج. مع العلم أن اسم هذه الأخيرة يبدو لي سخيفا: كيف يمكن لفيلم أن يكون جيد الإخراج ولا يتوج كأفضل شريط في المسابقة؟ ولعل العودة إلى اعتماد جائزة أفضل سيناريو تبدو لي أمرا منطقيا أكثر. إذ يمكن للفيلم أن يقوم على فكرة، أو حكاية (سيناريو)، ويفشل بسبب الاختيار السيء على هذا المستوى أو ذاك من التعبير السينمائي.

تأسف العديد من المتتبعين المحليين لغياب الفيلم مغربي عن منصة التتويج. كان الأكثر تفاؤلامن بينهم يراهنون على جائزة للرائعة فاطمة الزهراء بناصر في فيلم “طفح الكيل” لمحسن بصري. كان الأداء مثيرا للاهتمام فعلا، ولكن الدور هيمن كثيرا على الشخصية، إسوة بالفيلم كله الذي أفسده خطاب متضخم بل وشعبوي، في حين كانت البنية والخطاطة الأصلية للشريط واعدتين (بصري يتقن العمل بالفضاءات المغلقة). بماذا نخرج من هذا العمل؟ أسرة مختلطة (مغربية متزوجة من سويسري) اكتشفت للتو مجتمعا مفككا، محبطا (علي)، غير قادر على الحفاظ على جنين الحياة (صديقة الحسين) ولا على علاج طفل.. باختصار، مجتمع راض بالعيش متخبطا في الأسى.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة