كيف أصبح العلمي وزيرا على الحافة؟

كان حفيظ العلمي، وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، من أبطال سنة 2018، التي ودعناها قبل أيام، إضافة إلى أنه وزير يحمل جنسية أجنبية (كندا)، وقدم الولاء والطاعة للملكة إلزابيت، ودولة كندا، التي نافست المغرب على احتضان كأس العالم 2026، الذي أسند مهمة رئاسة لجنة الترشيح للوزير المغربي – الكندي، برزت “لعبة” لم تخرج الحكومة برأي واضح فيها، ساهم فيها كل من وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، الذي أعفاه الملك من مهامه، وحفيظ العلمي، وهما معا قياديان، في حزب عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، حزب التجمع الوطني للأحرار، بإدراج بند في قانون المالية من أجل إعفاءات ضريبية لشركته “سهام”، التي اقتنتها شركة من جنوب إفريقيا التي تكن عداء كبيرا للمغرب ولقضيته الوطنية الأولى.

إحاطة.ما يتوقف على أهم القضايا التي جعلت العلمي وزيرا على الحافة.

بند بالميزانية يضيع الملايين على المغرب

في ما بات يعرف بعملية القرن، أقدم حفيظ العلمي على بيع “سَهام للتأمين” بالكامل لشريكه الجنوب الإفريقي “سانلام”، والذي يشتغل في مجال التأمين في القارة السمراء. حيث اقتنت الشركة الجنوب إفريقية، في صفقة تبلغ قيمتها 1.05 مليار دولار، جميع الأسهم في “سَهام فينانس” بنسبة 100 في المائة، بعدما كانت في السابق تملك 46،6 في المائة، فقط، وبالتالي ستستحوذ على جميع الفروع التابعة للشركة في القارة الإفريقية.

الأمر إلى هنا عادي جدا، شركة اقتنت أسهم شركة أخرى، لكن الغير عادي هو تزامن هذه الصفقة مع إقدام محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، السابق، على تضمين فقرة في مشروع قانون المالية لسنة 2018 تسمح لزميله في حزب التجمع الوطني للأحرار والحكومة، بالتملص من أداء ضريبة ورسوم التسجيل البالغة 4٪ المطبقة على بيع الأسهم في الشركات، وذلك تمهيدا لما سمي بصفقة القرن، أي بيع أسهم شركته سهام للتأمينات. حيث تضمنت تلك الفقرة أو البند “إعفاء تفويتات الأسهم أو حصص المشاركة في الشركات” من الرسوم.

الهروب إلى الأمام

بعد الحملة التي استهدفت حفيظ العلمي واتهمته بالاستفادة من منصبه في الحكومة لصالح شركته، خاصة في ما يتعلق ببيع شركة سهام المالية، لمجموعة سانلام الجنوب أفريقية في 8 مارس الماضي، إذ كان يتعين على مجموعة سهام دفع أكثر من 40 مليار سنتيم إلى مصلحة الضرائب مقابل هذه الصفقة، ولولا ذلك البند الذي “دس” في قانون المالية، خرج العلمي، في هروب إلى الأمام، مطالبا رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بفتح تحقيق في الموضوع، وهو على علم أن لا جدوى من فتح تحقيقات في المغرب لا تؤخذ نتائجها بعين الاعتبار.

وكان حفيظ العلمي، باعتباره وزيرا، أعرب عن غضبه في مجلس الحكومة يوم 10 ماي 2018، وطالب بـ”فتح تحقيق في القضية، مبديا استعداده لرئيس الحكومة ولزملائه لمواجهة التحقيق”.

ومضت اليوم 7 أشهر و7 أيام عن طلب العلمي بفتح تحقيق في هذه “الفضيحة” ولا جديد، لا فتح التحقيق ولا عوقب من أضاع على خزينة الدولة الملايير، اللهم إعفاء من “دس” البند في قانون المالية من مهامه كوزير للاقتصاد والمالية، دون تعليل واضح، وذلك في “إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة” حسب بلاغ رسمي.

فضائح لا تنتهي

إن فضائح العلمي في 2018 لا تنتهي، حيث برزت قضية جديدة قبل متم السنة التي ودعناها، وكشفت صحيفة “لو كانارد ليبيري” في عدد 21 دجنبر الماضي، في تحقيق تحت عنوان “من التسريع الصناعي إلى العار المتسارع”، كشفت إقدام ملياردير التأمينات على خرق القانون، من خلال شروعه في بناء مقر لمكاتبه الجديدة في قلب الحي الراقي أنفا، من أموال صناديقه الاستثمارية المستقبلية التي أعلن عنها مباشرة عقب إبرامه لصفقة القرن بعد تفويت “سهام للتأمين” لـ “سانلام”، انتهك مقتضيات قانون التعمير والتهيئة العمرانية، جراء لجوئه في إنجاز مشروعه المرتقب، على تعديل ورفع طابق من إقامة سكنية خاصة.

وأضافت الصحيفة، التي أشارت في عنوان آخر إلى أن “المُؤمِّن السابق لا يزال وزيرا…”، أن علامة ورش البناء الذي يقوم به حفيظ العلمي(…)، لمشروعه المستقبلي، لا يشير إلى إجراء تعديل ورفع طابق من إقامة خاصة، وهو ما يشكل خرقا واضحا للقوانين الجاري بها العمل، متسائلة عما إذا كان الأمر يتعلق بمناورة لإخفاء مهنة صاحب المشروع؟

وتساءلت الصحيفة هل الأمر يتعلق بمناورة قانونية من العلمي، وكيف حصل على ترخيص ببناء مقر شركة في حي مخصص أساسا للسكن؟ مشيرة إلى أن ما قام به الوزير العلمي “فضيحة حقيقية ملموسة”، مضيفة في الوقت نفسه، أن فضيحة العلمي انطلقت من فيلا يمتد وعاؤها العقاري لأزيد من 4 آلاف متر مربع، تعود ملكيتها لأمير سعودي، تم بيعها من طرف ورثته مع مجموعة إقامات سكنية لفائدة فاعل عقاري كبير بالمغرب.

غضبة ملكية.. هل هي بداية النهاية

في آخر اجتماع وزاري، ترأسه الملك محمد السادس، أشارت مجموعة من المصادر إلى أن حفيظ العلمي تلقى توبيخا من الملك، نتيجة مخالفات عدة، حيث استفسر الملك حول تقدم تنفيذ مخطط التسريع الصناعي لجهة سوس ماسة، الذي سبق له أن ترأس انطلاقته بداية السنة الماضية بأكادير، مثيرا الانتباه إلى تعثر هذا المخطط، الذي لم يعرف أي تقدم منذ إطلاقه.

وأشارت مصادر إعلامية، في وقت سابق، إلى أن الملك وجه عتابا خاصا لحفيظ العلمي، باعتباره وزيرا للصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي.

وأوضحت المصادر ذاتها، أن أكبر مفاجأة شهدتها جلسة عمل الملك مع المسؤولين، عندما التفت الملك إلى حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي، ووجه إليه مؤاخذات مباشرة، لفتت انتباه كل المشاركين في اللقاء.

 وزير بجنسيتين والولاء لعلمين

إذا ظهر السبب بطل العجب، فالوزير حفيظ العلمي المنتمي سياسيا لحزب التجمع الوطني للأحرار، يحمل إضافة إلى جنسيته الأصلية أو جنسية البلد الأصل المغربية، أيضا، الجنسية الكندية، التي حصل عليها بعد أن اجتهد في جمع الوثائق والمرور عبر قنوات ومكاتب عدة، واجتاز، في النهاية، “امتحان المواطنة” يسأل فيها عن ثقافة المجتمع الكندي وقيمه ولغاته قبل أداء “يمين المواطنة” وهو قسم الولاء والوفاء لكندا، ولملكة بريطانيا إليزابيت الثانية، بصفتها ملكة دولة كندا.

وللحصول على الجنسية الكندية لابد من أداء القسم، الذي أداه وزير في حكومة المغرب، “أقسم أن أكون مخلصا وأحمل الولاء الحقيقي إلى صاحبة الجلالة الملكة إليزابيت الثانية، ملكة كندا، لورثتها وخلفائها، وسوف أتبع بوفاء قوانين كندا وأؤدي الواجبات بصفتي مواطنا كنديا”. ليطرح السؤال، لمن وفاء السيد الوزير للملك إلزابيت أم للملك محمد السادس، لدولة كندا أم للملكة المغربية، للأسف سبق أن وضع الوزير في هذا الحرج، حين عين رئيسا للجنة ترشح المغرب لتنظيم نهائي كأس العالم 2026، ضد الثلاثي أميركا، والمكسيك وبلده كندا، والذي خسر المغرب فرصة احتضانه، ونجهل لمن كان العلمي وفيا، خاصة أنه أقسم بالدفاع عن كندا وعن مصالح كندا.

ولا أحد يدري ان كان العلمي شعر بالمرارة التي تجرعها 40 مليون مغربي، أم أنه كان له احساس مختلف عن باقي المواطنين الذي كان يعرض ملفا باسمهم.

كل هذه القضايا تجعل العلمي وزيرا “على الحافة” لأنه شكل ويشكل مثالا سيئا عن الجمع بين المال والسلطة التي تؤدي إلى تضارب المصالح وتداخلها بل قد تؤدي إلى الفساد واستغلال النفوذ وتحقيق مصالح ذاتية على حساب مصالح البلد والشعب.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة