الصايل يشارك بفيلم قصير في “فيسباكو”

أحمد بوغابة

يحتفل المهرجان الإفريقي للسينما والسمعي البصري (المعروف اختصار ب “فيسباكو” Fespaco) هذه السنة بنصف قرن على تأسسيه، فقد رأى النور سنة 1969 ب “واغادوغو” عاصمة بوركينا فاصو، بعد سنتين عن ولادة “أيام قرطاج السينمائية بتونس” سنة 1966 ليتناوبا معا على تنظيم الدورات، وبذلك ينتظمان كل سنتين، قبل أن تتحول “أيام قرطاج” إلى تظاهرة سنوية في السنين الأخيرة فيما “فيسباكو” مازال ينعقد كل سنتين. وما يميزهما أن “الأيام” تمتد إلى العالم العربي، بمعنى مهرجان إفريقي – عربي بينما “فيسباكو” إفريقي محض (مثل مهرجان خريبكة) يبقى في القارة الإفريقية، ويتضمن أيضا مختلف الإنتاجات السمعية البصرية التلفزيونية، خلافا لخريبكة الذي يقتصر على الأفلام الروائية الطويلة فقط. كما يحتضن “فيسباكو” الأفلام المُنجزة من السينمائيين الأفريقيين المقيمين بالخارج أو ذوي الأصول الإفريقية، فهو يحاول أن يجمع مختلف التعبيرات للصورة الإفريقية.

رفع “فيسباكو”، بهذه المناسبة الخمسينية، في دورته 26، التي ستُقام من 23 فبراير إلى 3 مارس 2019، شعارا عريضا ومركزيا يجمع بين الماضي والمستقبل: “الذاكرة والمستقبل” اعترافا بالمؤسسين واحتفاءً بهم وربط تاريخهم بالجيل الجديد والنظر إلى المستقبل من أجل الاستمرارية بشكل أفضل وأقوى حتى لا تحصل القطيعة بين ضفتي التاريخ، إذ لا يمكن بناء المستقبل بدون رصيد تاريخي حسب المنظمين. كما لا يمكن تشطيب التاريخ أيضا ونفي إيجابياته.

مهرجان “فيسباكو” مشهود له بهذه القيمة والأخلاق تُجاه تاريخ السينما الإفريقية منذ سنوات. فقد دشن سنة 1987 نُصبا إفريقيا رمزيا لعُلب الأشرطة السينمائية الموضوعة على بعضها في شكل صاروخ قابل للإقلاع في وسط العاصمة “واغادوغو” أطلق عليها “ساحة السينمائيين” والتي يجتمع فيها، عند كل دورة، منذ ذلك التاريخ، في الصباح الباكر من اليوم الثاني من الافتتاح، جميع السينمائيين وباقي المدعوين لإحياء ذكرى الراحلين/المؤسسين ووقوف دقيقة صمت ترحما عليهم، وأيضا للتأكيد على الإخلاص لهم وأنهم مازالوا أحياء في الذاكرة السينمائية الإفريقية خاصة وأن الاشتغال في السينما بالقارة الإفريقية ليس من اليسير. وتُعتبر مدينة “واغادوغو” هي المدينة الوحيدة في العالم بأسره التي بها ساحة رئيسية تحمل اسم “ساحة السينمائيين الأفارقة”.

ومن تلك الساحة (ساحة السينمائيين) يتفرع شارع رئيسي طويل تتوسطه تماثيل عدة، من أحجام كبيرة، لمجموعة من السينمائيين الراحلين الأفارقة يتقدمهم عصمان سمبين السينغالي، وهم في أحجام كبيرة لإعطائهم تلك المكانة العظيمة التي احتلوها في مخيلتنا.

كما أسس المهرجان الخزانة السينمائية الإفريقية للحفاظ على التراث الفيلمي (رغم أن هذه الخزانة عرفت مشاكل كثيرة عند البناء وإنجازها والحيثيات القانونية إلا أنها تغلبت عليها) والتي تم تدشينها سنة 1989 بمناسبة 20 سنة على تأسيس المهرجان، وهي مؤسسة عمومية تابعة للدولة ويديرها المهرجان نفسه.

مهرجان “فيسباكو” تظاهرة ضخمة بكل المقاييس، إذ ينطلق حفل افتتاحه من الملعب البلدي، الذي تصل سعته إلى 25.000 ألف متفرج، بأجواء احتفالية إفريقية بما تعني هذه الاحتفالية من مضمون فني وروح إنسانية عالية، هو بمثابة كرنفال ثقافي تاريخي يغرف من التراث الإفريقي/الحضاري العريق، ونفس الشيء لحفل الاختتام في قصر الرياضات الذي يسع لـ 6.000 شخص. وهذان الحفلان ينجحان في “واغادوغو” لكن لن نتقبلهما في بلد آخر، إنها الخصوصية المحلية التي تفلح في خلق أجوائها وتَقَبُلِها.

يعتمد “فيسباكو” على خمس محاور مركزية وتتفرع منها محاور أخرى ضمن فعاليات المهرجان نفسه أو الموازية له فضلا على فسحة المجال والفضاءات للجمعيات والهيئات المستقلة العاملة في الإنتاج السينمائي أو التنشيط أو غيرها ذات علاقة بالفن السابع والتلفزيون والصورة المتحركة في مختلف أبعادها فتتحول المدينة برمتها لأعياد السينما، ومنها مَنْ تأتي من أقطار إفريقية أخرى كمنبر مهم لوجودها. والمحاور الرئيسية هي: 1) المسابقة الرسمية 2) سوق الفيلم والسمعي البصري 3) الندوات 4) اللقاءات الاحترافية 5) الحفلات بالخمسينية

بالنسبة للمحور الأول (المسابقة الرسمية) فهي تتضمن 4 فقرات:

الأفلام الروائية الطويلة بمشاركة 20 فيلما منها الفيلم المغربي “أنديغو” لسلمى بركاش، و28 فيلما روائيا قصيرا حيث يشارك المغرب بفيلمين وهما “ما بعد الجدار” لعائشة جبور، و”ريال بوليتيك” (Realpolitik) من إخراج مُراد الصايل (وهو ابن السينمائي الأستاذ نور الدين الصايل). وقد اكتشفنا مراد الصايل كممثل سنة 2014 في فيلم “العجل الذهبي” للمخرج حسن لغزولي. ولمن لا يعرف مراد الصايل فهو طالب في الآداب الفرنسي وممثل في المسرح والسينما والتلفزيون، كما سبق له أن كتب نصوصا للمسرح والتلفزيون وشارك في بعضها كممثل أيضا. شق طريقه في الإخراج مع فيلم قصير بعنوان “Tarla” (سنة 2018)، وجديده هو “ريال بوليتيك” الذي سبق أن شارك به في مهرجانات أخرى وفاز بجوائز، ويشارك به ممثلا للمغرب في “فيسباكو” بدورته الحالية.

يشارك 21 فيلما وثائقيا في المسابقة منها الفيلم المغربي “حين كان يرقص العرب” لجواد غالب، وتتضمن هذه الفقرة مسابقة للأفلام الوثائقية القصيرة لكن المغرب غائب عنها. وقد قررت إدارة المهرجان، ابتداء من هذه الدورة، أن تهتم أكثر بالفيلم الوثائقي برفعها من قيمة الجوائز المخصصة للفيلم الوثائقي بعد الانتقادات التي وصلتها مع توصيات لجنة الخمسينية، التي تَشَرَّفْتُ بالانضمام إليها، بكون الفيلم الوثائقي كان مُهمشا.

المغرب غائب أيضا من أفلام التحريك، وقد نتفهم أسباب ذلك لأنه لم يظهر بعد اهتمام كبير به من خلال السينما لأنه بقي محصورا في الإشهار والإعلانات فقط أما أن يكون غائبا بالمطلق من فقرة مسابقة أفلام المدارس فهذا يطرح علامة استفهام كبيرة وبالأحمر عن جدوى ما يُسمى ب “إسماك” (ISMAC) كمشروع فاشل من أصله، بشكل قطعي، وكل من كان وراءه وخلفه وأمامه وبجانبه بسبب عشوائيتهم ومحدودية أفقهم، لقد ظهرت النتيجة وتتأكد يوميا، مؤسسة فارغة كفراغ من وقف متسرعا لإنجازها لحاجة في نفس يعقوب، كما يقول المثل.

وسيتم عرض أكثر من 200 فيلم في مجمل فقرات البرنامج موزعة على 9 قاعات رسمية، كل واحدة ستتخصص في نوعية محددة من الأفلام، سواء المبرمجة في المسابقات الرسمية المختلفة أو غيرها، ضمن احتفالية الخمسينية، لمشاهدة مثلا جميع الأفلام الحاصلة طيلة حياة هذه التظاهرة على جائزتها الكبرى المتمثلة في الحصان الذهبي المعروف ب”يينينغا” (Yennenga) وهو رمز القوة في ثقافة بوركينا فاصو، وقد حصل عليها المغرب 4 مرات طيلة نصف قرن (سنة 1973 في الدورة الرابعة بفيلم “ألف يد ويد” لسهيل بنبركة، سنة 2001 في الدورة 17 بفيلم “علي زاوا” لنبيل عيوش، سنة 2011 في الدورة 22 بفيلم “براق” لمحمد مفتكر، سنة 2015 في الدورة 24 بفيلم “حمى” لهشام عيوش). وسيتم إعادة عرض جميع الأفلام المُبرمجة مرتين على الأقل، فضلا عن الفضاءات المفتوحة المنتشرة في نواحي المدينة والتي ستتوزع عروضها السينمائية، منها الجديدة أيضا التي لم تجد مكانها في المسابقات.

ويُعد سوق الفيلم والسمعي البصري فضاء مهما للسينمائيين المحترفين الأفارقة وغيرهم من العالم للقاء ولإيجاد أسواق للمنتوج الإفريقي بينما المغرب غائب منه أيضا ولو من باب تكريس السياسة الرسمية الهادفة للعودة إلى مختلف واجهات إفريقيا، أليست هذه مناسبة لانفتاح القنوات التلفزيونية المغربية بشراء بعض الأفلام والمسلسلات والبرامج من الأقطار الحليفة لتأكيد أن المغرب ينتمي لإفريقيا وأنه جزء منها، للأسف يغيب المنتوج السينمائي والسمعي البصري الإفريقي من قاعاتنا ومن قنواتنا ولو في المناسبات القليلة منها، ولا تذهب إنتاجاتنا لاكتشاف جمهور آخر مختلف.

وطبعا، الفقرة الثالثة المتمحورة حول الندوات تماشيا مع الذكرى الخمسينية، ستركز على الذاكرة والمستقبل والعمل على ربط جسور بعضهما والتي ستمتد أيضا إلى الفقرة الرابعة من خلال اللقاءات والتجمعات بين المحترفين وتجديد هياكلها.

أما الفقرة الخامسة فهي فقرة استثنائية خاصة بهذه الدورة احتفاء بنصف قرن عن تأسيس “فيسباكو” مما أخذت الوقت الكافي من التهييء طيلة السنة من الإعداد والتفكير من خلال لجنة موسعة من مهرجان فيسباكو نفسه وفعاليات من أقطار إفريقية عدة وبعض السينمائيين المقيمين بالخارج وكان لي الشرف، ككاتب هذا النص، عضويتها. ومن بين بعض هذه الفقرات التي قد تم الشروع فيها وتنظيمها منذ مطلع هذا الشهر (فبراير) وأخرى مستمرة إلى نهاية المهرجان أو موازية له سواء في العاصمة أو باقي المدن والقرى ببوركينا فاصو.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة