الرجل النملة لم يكن خارقا

أحدث عمل رائع من شركة “مارفل” عن الأبطال الخارقين، كان من المفترض أن ينزل إلى مستوى الحشرات، لكنه بدلاً من هذا خرج إلينا بمشاهد هائلة ومثيرة. أوين غليبرمان يقدم في هذا التقرير رؤية نقدية معمقة عن هذا العمل وهو فيلم “الرجل النملة”.

بول رود هو ذاك الممثل الذكي والماهر إلى درجة أنه إذا كان لأي ممثل أن يلعب دور البطل الخارق ويضيف إليه روحا جديدة غير معهودة، فإنك تعتقد أنه بول رود. ولكن في “الرجل النملة”، وهو فيلم عملاق من أفلام الشاشة الكبيرة أنتج على عجل وبتكاليف باهظة، فإن رود لا يظهر صغيراً فقط، بل إنه يروَّض ويُضعَف، ويبدو أقل إرادة. من الصعب القول إن كان الفيلم يضعف شخصيته أو أن رود نجح في أداء هذا الدور بنجاح من الأساس.

يلعب رود دور سكوت لانغ، وهو لص احترف سرقة البيوت عبر التسلق، ويصبح من دون قصد مادة اختبار في تجربة تهدف إلى خلق أقوى سلاح سري: بطل شبحي خارق بحجم حشرة. لكن لانغ يرى أن مهمته هي أداء أشياء هائلة وعظيمة.

لكن بعد أن قضى ثلاث سنوات في سجن “سان كوينتين” لكشفه تجاوزات إحدى الشركات، يجد سكوت لانغ أن حياته تحولت إلى حطام، بعد أن خسر قضية الحضانة المشتركة لابنته. والشركة الوحيدة التي قبلت بتوظيفه كانت “باسكن روبنز”.

وفي هذه الفترة جرى تجنيد سكوت لانغ هناك ليجرّب بدلة اختبار تجعل أي شخص يلبسها ينكمش ليصبح بحجم نملة. ومن المفترض أن يتحول إلى رجل أقوى أيضاً، لكننا لا نرى دليلاً على ذلك. كان الأمر سيبدو بارعاً لو رأيناه، على الأقل، وهو يرفع إحدى مكعبات السكر التي تزن 50 مرة ضعف وزنه. يبدو رود، في أول أفلامه الخيالية الضخمة، وكأنه جندي مطيع يخضع لتدريبات عسكرية. يوجد مقطع واحد مضحك عندما يقول “لقد حطمت اللحظة، أليس كذلك؟”، لكنها ليست إلا اللحظة الوحيدة التي تبدو فيها فكاهة الفيلم بأقل جهد ممكن.

الممثل الذي يضيف نوعاً من الاثارة في فيلم “الرجل النملة” هو مايكل دوغلاس. يقوم دوغلاس بدور معلم لانغ الفظ، الدكتور هانك بيم. وهو عالم أجرى أبحاثه حول كيفية تقليص المسافة بين الذرات، لكن فقد مبادئه عندما رأى أبحاثه تُسرق أمام عينيه. بيم لديه أسبابه التي تجعله غريب الأطوار، إلا أن دوغلاس يعطي حتى أكثر الجمل رتابة حيويتها.

إنه يؤدي هذا الدور وكأنه لا يزال في فيلم “متلازمة الصين”، أي وكأن شيئا ما في خطرٍ حقيقي. ومع ذلك، فان أدائه الصارم هو أيضاً جزء ناجح من الفن الهابط، ذلك لأن دوغلاس يبدو وكأنه الشخص الوحيد على الشاشة الذي لم يفهم المغزى: وهو أنه ليس هناك خطر على أي شيء في فيلم “الرجل النملة” سوى امتياز لخطة تسويقٍ تستهدف عقول أطفال بعمر 10 سنوات.

الفيلم ليس سيئاً، لكنه يجعل من أفلام شركة “مارفل” السابقة، مثل الجزء الأول من فيلم “الرجل العنكبوت” و”الرجل الحديدي”، وكأنها تُحفٌا فنية. يندر أن تجد فيه عبارة مجازية لم تشهدها من قبل، وقدمت بموهبة أعلى بكثير.

تكمن المشكلة الرئيسية في أن “الرجل النملة”، على الأقل في هذا العمل السينمائي، ليس بطلاً مرحاً جداً. عندما يلبس رود بدلته الخاصة فإن صوته، المتحرر من جسده، يبدو مفصولاً عن الشخصية. هناك القليل من العلامات التي تثير الدهشة في حركاته المشوقة وأعماله المثيرة. حتى إن بدلة “الرجل النملة” تفتقد الى جاذبية معينة لتشد المعجبين إليها.

يبدو “الرجل العنكبوت” مثل أشباه البشر وفي شكل العنكبوت… ويظهر “الرجل الوطواط” مثل الوطواط، أما “الرجل النملة” فيبدو… مهلاً، مثل شخص يلبس نوعاً من خوذة تلبسها عندما تزيل بعضا من النفايات الصناعية، مضافاً اليها قطعة مرقعة لحماية الصدر تبدو وكأنها قد صُممت على طراز شبكة قرنية ذبابة الفاكهة.

وباستثناء حجمه، ليس هناك شيء خاص من مواصفات النمل يتمتع بها “الرجل النملة”، مع أنه يقود جيشاً من النمل ويتجول راكباً ظهر أحدها، وهذا ما يجعله في بعض الأحيان يبدو وكأنه أصغر راعي بقر أمريكي على وجه الأرض يقود قطيعاً من النمل سريع الحركة. لم تكن أي من هذه الأمور لتثير قضية إذا كان قد ظهر سكوت لانغ جذاباً. ولكنه ليس كذلك. إنه أشبه برجل صغير الحجم يهوى أداء المهام الخطيرة، وقد انتزع فجأة مركز الصدارة.

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان ظهور الممثلين في أشكال مصغرة من المصادر المؤثرة لأفلام الخيال العلمي في هوليوود. فيلما “رجل شديد الانكماش” (إنتاج عام 1957) و”الذبابة” (إنتاج 1958) ليسا إلا رمزين رائعين لرجل معاصر وهو ينكمش في الفراغ بينما يكبر العالم من حوله أكثر وأكثر.

أما فيلم “رحلة رائعة” (إنتاج عام 1966) فقد قلب دينامية القوة، إذ يظهر فيه شخص صغير الحجم للغاية لا يرى سوى بالمجهر وهو ينقلنا الى عالم غير مألوف، وهو جسم الانسان. في كل حالة من هذه الحالات، تعذر محو الخيال المصوّر أو الفانتازيا. بدأت جميعها باطلاق الخيال ليُبنى من مستويات خلايا الإنسان لباقي بنيته وهيكله. لكن على النقيض من ذلك، لم يقرر فيلم “الرجل النملة” مطلقاً سواء كان يريد أن يجعلنا جزءا من تجربة لانغ أو ببساطة يريد أن يخلق فيلما ذا مشاهد لافتة للنظر.

الشخص الشرير في الفيلم هو عميل لإحدى الشركات حليق الرأس يدعى دارن كروس، والذي يلعب دوره كوري ستول. يتحدث الجميع عن “الفوضى” التي يخطط لها كروس. لكن اختيار هذه الكلمة غير ملائم الى حد ما لأنها تذكر بالفوضى التي عاثها الراحل هيث ليدجر بشخصية “الجوكر” في فيلم “الرجل الوطواط”. تلك حقاً كانت فوضى، وهذا من باب المقارنة بينهما.

يستخدم كروس شخصيته الثانية المصغرة، المسماة “المعطف الأصفر”، دون أن يضع أبداً أية خطة متماسكة، وهذا ما يجعل دوره الشرير في نهاية المطاف شيئا نظريا فقط. إنه الرجل الشرير لأن الفيلم يجب أن يحوي شخصية الشرير. كما يحتاج الفيلم الى علاقة عاطفية، نجدها تحدث مع ابنة بيم التي تحاصرها المشاكل، وهو الدور الذي تلعبه إيفانجلين ليلي.

تقول إيفانجلين ليلي في الفيلم هذه الجملة: “نقوم جميعاً بهذا الأمر لأسباب هي أكبر بكثير من أي واحد منا.” في تلك اللحظة تتساءل بصدق عن ماهي تلك الأسباب: هل هي المصير الأهم لوكالة شيلد؟ أم سعر أسهم شركة ديزني؟ أم عرض دعابة مصاحبة لقائمة أسماء طاقم الفيلم التي تُعرض مع نهايته؟
في جميع الأحوال، يشعر المرء وكأن ليلي تبالغ من الأمر لتصنع شيئا من لا شيء.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة