في الوقت الذي ظلت بعض التحليلات السياسية تعالج ما يمكن اعتبراه “صرخات” جماعة العدل والإحسان، التي تطلقها بين فينة وأخرى، من منطلق لعبة الصراع بين الدولة والجماعة، لم ينتبه أصحاب هذه التحليلات، إلى مسألة وصفها مصدر متابع لشؤون الجماعة بـ”الخطيرة”، معتبرا أن الاتهامات الأخيرة، التي روجتها العدل والإحسان، القائلة إن “الدولة تستهدف العناصر المنتمية إليها من فئة الموظفين، الذين يباشرون مسؤوليات عمومية في مختلف القطاعات الحكومية، عبر إعفائهم من هاته المسؤوليات أو تنقيلهم وتغيير مواقعهم الوظيفية”، ليست سوى عملية لصرف النظر عن واقع خطير تمارسه الجماعة من عمق مؤسسات الدولة، من خلال استعمال إمكانيات الدولة للتسلل والانتشار بدواليبها ومؤسساتها، حسب ما جاء في صحيفة “آخر ساعة” في عددها الصادر اليوم الخميس.
وأبرز المصدر ذاته، وهو إطار سابق بالعدل والإحسان رفض ذكر اسمه، أن قيادات العدليين ذهبت إلى في تجاه اعتبار ما يجري “مسا بالقوت اليومي” للأشخاص المعنيين بالاتهامات المذكورة، لكن في واقع الأمر، ثمة تكتيك إسلاموي محض، تهدف من خلاله الجماعة إلى التحكم في مفاصل الدولة عبر ما يسميه “الإخوان” بعملية “التمكين”، أي النفاذ إلى مؤسسات الدولة ونشر الأفكار المناهضة لجوهر النظام، والتي قال إنه يستحيل نشرها في الأوساط المجتمعية خارج صفوف الجماعة.
وأكد المصدر لـ”آخر ساعة” أن العدل والإحسان تستغل أيا من التدابير التي قد تتخذها السلطات العمومية، لأهداف مهنية تروم تحقيق المصلحة العامة، بهدف الترويج للمظلومية والتموقع في خانة المستضعفين الذين يتعرضون، كما تروج لذلك، لـ”الظلم من الدولة”، حتى تقوم حسب قوله “بالتغطية على عجزها وعلى محدودية بنيتها الفكرية ومشروعها الغير القابل للتطبيق”.
وتساءل المصدر “لماذا تحرص الجماعة على المكوث بمواقع المسؤولية العمومية، طالما أن أعضاءها يتمتعون بكامل حقوقهم الوظيفية، ولم يتم تسجيل طرد أي شخص منهم؟”، فهم، يضيف المصدر، يمارسون مهامهم داخل الإطارات التي ينتمون إليها، ويستفيدون من أجورهم وترقياتهم على غرار باقي الموظفين المغاربة… لكن ما خفي، يؤكد المصدر، أن “الجماعة تحرص جاهدة على أن تخترق دواليب الدولة ومواقع المسؤولية العمومية من أجل نشر أفكارها وإيديولوجيتها العدمية ونسف المجهودات الجماعية الهادفة إلى تطوير الإدارات العمومية في شتى المجالات، في ظل الانحسار الذي تعيشه الجماعة وعجزها عن اختراق الفئات المجتمعية، وكذا تبخر مشروع (القومة)، الذي شكل ضربة قاضية للجماعة بعدما خانتها الأيادي الخفية لإحداث التغيير المنشود”.
ووضع المصدر مقاربة موضوعية في محاولة لفهم تكتيك الجماعة، موضحا أنه إذا كان من المستساغ لأي “فريق سياسي” أو “ديني” أو “غيره” يوجد خارج الإجماع، أن يسعى إلى اختراق الدولة لتحقيق غاياته المعدومة في مهدها، فهل يعقل أن يُسمح بأن يكون هذا الاختراق بوسائل الدولة نفسها؟ بل الأكثر من ذلك، يتساءل المصدر الذي خبر ذهنية قادة العدل والإحسان، “كيف يريد هؤلاء فرض مشروعهم الغريب عن بيئتنا بأموال المغاربة وداخل إدارات وقطاعات حكومية هي أصلا تشتغل لفائدة الوطن برمته والمواطنين على اختلاف توجهاتهم وليس لفائدة مشروع معين يهم فئة مجتمعية دون أخرى”.
ولفت المصدر إلى أن العدل والإحسان تترك انطباعا واضحا من خلال أدبياتها وتصريحات قياداتها بأنها “لا تؤمن بالمؤسسات”، وترى في الحكومة “بنية صورية لا صلاحيات لها”، وبالتالي، يوضح المصدر، إذا كانت تؤمن بذلك، وتروج له فلماذا تسعى إذن إلى مواقع المسؤولية العمومية، حيث من المفروض في من يتولى المسؤولية أن يكون مؤمنا بجدوى البرامج الحكومية من أجل انخراط واسع لضمان تنفيذ أمثل وسليم لجميع الأهداف المتوخاة وأيضا خدمة الوطن.
وقال المصدر إن خطة “التمكين” التي فشلت مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، هي نفسها التي تحاول جماعة العدل والإحسان تطبيقها في المؤسسات بالمغرب، معتبرا أن “التسلل إلى مواقع المسؤولية من شأنه أن يفتح الباب نحو أفق مظلم”.