علاء الأسواني: حتى لا تتكرر المذبحة..

لا يوجد أبشع من قتل إنسان بريء مسالم لم يؤذ أحدا وهو يؤدي الصلاة في بيت من بيوت الله. هذا بكل أسف ماحدث في مصر منذ أيام في تفجيرين إرهابيين لكنيستين في طنطا والاسكندرية راح ضحيتهما عشرات المصريين الأقباط. وسط الأحزان التي تخلفها هذه الجريمة البشعة الهمجية قد يكون مفيدا أن نستعرض بعض الافكار حتى لا تكرر المذبحة:

أولاً: أضرار الذراع الإعلامية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في عهد السيسي تحول الإعلام إلى ذراع إعلامية للنظام.تم استبعاد الإعلاميين المحترمين وعينوا بدلا منهم أشخاصا معظمهم لاعلاقة لهم بالإعلام وإنما بأجهزة الأمن.لم يعد هدف الإعلام نقل الحقيقة وإنما تعبئة الشعب وراء الزعيم الملهم وتمجيد كل ما يفعله ويقوله. لقد ارتكب إعلام السيسي جرائم كثيرة أسوأها إخفاء الحقائق عن الشعب وترويج الأكاذيب والانتقام من كل صاحب رأي معارض للسيسي واتهامه بالعمالة والخيانة. في ديسمبر/ كانون الأول الماضي حدث تفجير إرهابي في الكنيسة البطرسية راح ضحيته عشرات الأبرياء، وبدلا من محاسبة المسئول عن التقصير الأمني -كما يحدث في الدول المحترمة – أكد إعلام السيسي أنه لا يوجد أي تقصير أمني وراح يشيد ببطولات الشرطة والجيش وهي إشادة مستحقة لكنها في غير مكانها. بعد ذلك استهدف الإرهابيون أقباط العريش وقتلوهم واحدا واحدا في بيوتهم مما اضطر الأسر القبطية إلى الفرار إلى المحافظات المختلفة. وبدلا من الإشارة إلى عجز الأمن عن حماية الأقباط أنكر إعلام السيسي التقصير الأمني بل وأنكر أساسا أن يكون أقباط العريش قدتعرضوا للتهجير. وهانحن أمام مذبحة جديدة راح ضحيتها غشرات الأقباط ولازال إعلام السيسي يستبعد أي تقصير أمني ويعتبر إقالة مدير أمن الغربية إجراء كافيا وعظيما. وظيفة الإعلام في العالم المتحضر أن ينقل الحقيقة ويحذر من الأخطاء ويحاسب المقصرين، لكن إعلام السيسي وظيفته النفاق والتضليل وترويج الأكاذيب وها هم عشرات الضحايا الأبرياء يدفعون الثمن.

ثانيا:أمن الزعيم وأمن المواطن:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأمن في الأنظمة الديمقراطية يتولى حماية المواطنين جميعا بنفس القدر من الاهتمام يتساوى في ذلك صاحب المنصب الكبير والرجل البسيط. في النظم الديكتاتورية تكون مهمة الأمن الأولى حماية النظام والزعيم وليس المواطنين. الأمن السياسي في مصر أهم من أي أمن آخر. تعليق واحد على فيسبوك أو اشتراكك في مظاهرة ضد السيسي قد يكلفك سنوات من الحبس لكن البلطجة والضرب والسرقة والقتل جرائم تحظى باهتمام أقل أمنيا إلا إذا كان الضحية شخصا مهما. لو أن أحدا من الإرهابيين الذين فجروا الكنائس كان يحمل لافتة أو هتف ضد السيسي لكانوا قبضوا عليه فورا. في الدول الديمقراطية المواطن رمز الدولة وغايتها حماية حقوقه وأمنه، أما في أنظمة الاستبداد فإن أهم هدف للأمن المحافظة على السلطة لكي ينفرد بها الزعيم إلى الأبد..

ثالثا:نظرية الجهات السيادية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في العالم الديمقراطي يتساوى الجميع أمام القانون لا فرق إطلاقا بين مسئول كبير وأبسط مواطن، أما في مصر وكل الانظمة الاستبدادية فإن المواطنين ليسوا سواء. هناك المواطن العادي والمواطن السيادي الذي ينتمي إلى “جهة سيادية” وهو تعبير غريب المقصود به الجيش والمخابرات وأمن الدولة. المواطن السيادي يعتبر أن له حقوقا سيادية على المواطنين العاديين وبالتالي لا يجوز للمواطن العادي أن يطالب بإقالة مواطن سيادي.

إن الاعتداءات الإرهابية المتكررة على الأقباط كانت كفيلة بإجبار وزير الداخلية على الاستقالة لو كنا في دولة ديمقراطية لكن السيسي ظل متمسكا بوزير الداخلية لأنه يرى في استجابته للرأي العام ضعفا وكسرا لهيبته. السيسي يعتبر أن من حقه وحده أن يقيل ويعين من يشاء متى يشاء. استبعاد الرأي العام من إدارة الدولة في الأنظمة الاستبدادية يؤدي دائما إلى تعيين مسئولين فاشلين واستبعاد كفاءات حقيقية لأن الزعيم يقدم الولاء على الكفاءة.

رابعا: هل يقضي القمع على الإرهاب؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعلن السيسي حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وهو إجراء شكلي بلا معنى لأن مصر تعيش حالة طوارئ فعلية غير معلنة. قوات الأمن لها صلاحيات مطلقة من الاعتقال حتى القتل بدون محاسبة، آلاف المواطنين يقضون أعواما في الحبس الاحتياطي الذي تحول لعقوبة في حد ذاته. يمكن إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري في أي لحظة. أضف إلى ذلك عشرات التقارير عن الاختفاء القسري والتعذيب البشع في السجون. يردد إعلام السيسي أن القضاء على الإرهاب يستوجب المزيد من الاجراءات القمعية. العالم كله، إلا نحن، يعرف أن احترام القانون يقلل من الإرهاب بينما القمع يغذيه ويزيد من انتشاره. في الدول الديمقراطية يتمتع المتهمون بالإرهاب بمحاكمات عادلة، لا يتعرضون لتعذيب ولا يعتقل أفراد أسرهم ظلما. إذا حاكمنا إرهابيا ولقى جزاءه العادل سيظل شخصا واحدا، أما إذا قبضنا على اخوته واصدقائه وجيرانه وتعرضوا للتعذيب فبدلا من إرهابي واحد سينتج القمع عشرات الإرهابيين.

خامسا: أين الإسلام الصحيح؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد كل مجزرة يقوم بها الارهابيون تتعالى أصوات الشيوخ مؤكدين أن هذا الإرهاب لا يمثل الإسلام الصحيح ولا يتعب أحد منهم نفسه في تصحيح المفاهيم. للأسف فإن كل جريمة يرتكبها الإرهابيون تساندها قراءة خاطئة للدين. القراءة الوهابية للإسلام تحض على الإرهاب. كل من يقرأ مثلا “حكم أهل الذمة إذا نقضوا العهد” سيتأكد أنه لابد من قراءة جديدة للإسلام تواكب العصر وتعكس القيم الإسلامية المتحضرة

لن نقضي على الإرهاب إلا بإصلاح ديمقراطي حقيقي.

الديمقراطية هي الحل

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة