أنجزت جامعة أليكانتي الإسبانية دراسة حول طريقة تدين بنات الجالية المغربية المسلمة في الديار الإسبانية، وسلطت الضوء على المفهوم الديني من زاوية نظر هؤلاء الطالبات الشابات. هذا العمل أنجزته ماريا خيمينيزديلغادو، كاتبة وأستاذة علم الاجتماع ومديرة مرصد سوسيولوجيا التعليم، وذلك من خلال إجراء مقابلات مع 20 طالبة من أصل مغاربي بالمؤسسات الثانوية وجامعة أليكانتي، وقد أظهرت نتائج هذه الدراسة، التي نشرت في مجلة “Feminismo/s” الإسبانية، أن المستجوَبات قمن بقراءة نقدية وخاصة للإسلام، لخصنها في جملة “أنا مسلمة بطريقتي الخاصة”، حسب ما جاء في صحيفة “آخر ساعة” في عدد نهاية الأسبوع الحالي.
“تصورهن للدين الإسلامي مرتبط بجنسيتهن، وبوجهة نظر عابرة للحدود للممارسة الدينية التي يفضلن عيشها كظاهرة ثقافية وهوياتية”، تقول الكاتبة، قبل أن تضيف: “إنهن بذلك يبحثن عن تجربة حميمية وروحية، بما يتفق مع وجود “إله شخصي لزمن ما بعد الحداثة”، الذي يسميه عالم الاجتماع الألماني أولريش بك بـ”تفريد الدين”. وهؤلاء الشابات جزء مما يعرف باسم “جيل الجسر”، أي نساء ولدن في الغالب في المغرب والجزائر ولكنهن ترعرعن وسط المجتمع الإسباني، حيث تابعن دراساتهن وأصبحن ملتزمات باختيار حياتهن الخاصة ومد الجسور بدلا من بناء الجدران”.
في السياق ذاته، لم تتردد الشابات، اللواتي شملتهن الدراسة، على دروس الدين الإسلامي المقدمة في المؤسسات التعليمية، ولا حتى في مساجد أحيائهن، على الرغم من ارتدائهن للرموز الثقافية والدينية، فالحجاب مثلا كان بمحض اختيارهن. ووفقا للدراسة ذاتها، فالدين بالنسبة لمعظم الشابات المستجوبات يعتبر جزءا مهما من حياتهن، وفي الوقت نفسه لا يرفضن ثقافة بلد المنشأ في معظم الحالات، لكنهن يُعِدن تفسير وإعادة بناء الإرث العائلي.
“أنا مسلمة لأنني من عائلة مسلمة ولو ازددت في أسرة تعتنق الديانة المسيحية لكنت الآن مسيحية”، “أنا مسلمة لكنني أتقبل من يحملون الثقافات الأخرى وأريد أن أتعرف عليهم، يروقني أن أتبادل معهم معارفي الثقافية وأتعرف منهم على ما لا أعرفه”، تقول اثنتان من الشابات اللواتي شملتهن المقابلة، اللواتي يشعر بعضهن بأنهن مسلمات قبل أن يكن مغاربيات أو إسبانيات.
وتقول خيمينيزدلغادو إن “الشابات اللواتي تأخرن في الالتحاق بالنظام التعليمي، واللواتي يحملن التصور السائد في أحيائهن وسط سياجات الفصل الثقافي عن باقي مكونات المجتمع الإسباني، تملن إلى التأكيد على هويتهن الدينية أكثر من أي شيء آخر كالموطن الأصلي أو البلد الذي تحملن جنسيته”.
عموما، وفق النتائج، يبدو أن لديهن نظرة أكثر تسامحا وانفتاحا عندما يجتمعن في تكوين تتدخل فيه جميع الأديان. “أعتقد أنه يجب أن نتحدث عن جميع الأديان في المدارس، لأن عليك أن تعرف عن كل شيء ولو قليلا، مثلا هنا في إسبانيا لم يكن أحد من الإسبان يعرف شيئا عن ثقافتي الأصلية، وأنا لا أعرف شيئا عن الثقافة والدين هنا”، تقول طالبة في السنة الثالثة شعبة الترجمة.
ويبقى السؤال المطروح في دراسة خيمينيزديلغادو، هو “كيف يمكن الحديث والتعامل مع مسألة الحرية الفردية والمساواة بين الجنسين وكذا الحرية الدينية دون تعزيز الصور النمطية ودون التقليل من هوية كل شابة؟”. البحث عن الإجابة يشكل تحد لـ”معرفة طريقة التعامل انطلاقا من احترام الديمقراطية مع مجموعة مهمة من المواطنين الإسبان والأوروبيين، مع الحفاظ على حقهم في اعتناق الدين الإسلامي في نفس ظروف الديانات الأخرى، دون الشعور بالتمييز أو الرفض في مجتمع تعددي”. وبحسب الكاتبة الإسبانية “سماع ومعرفة الآخر يجب أن يكون مدخلا لمشروع تربوي ديمقراطي بمشاركة تعددية وناقدة مفتوحة للنقاش والحوار”.