علي الشرقاوي.. قيدوم المتبرعين بالدم الذي لم ينضب عطاؤه على مدى 40 سنة

(إعداد سناء بنصري)

بحس أخلاقي عال، وشعور بالواجب تجاه كل من يحتاج إلى كيس دم، قدم علي الشرقاوي، قيدوم المتبرعين، على مدى ما يقارب 40 سنة، خدمات جليلة في مجال التبرع بالدم، إذ لم يبخل يوما ولم يتأخر عن أداء هذا الواجب ليساهم في توفير مخزون هذه المادة الحيوية وإنقاذ أرواح المرضى والمصابين. رجل تنبض شرايينه واجبا، وتجري قيمة التضامن مجرى الدم في عروقه، منح دمه 210 مرات وتبرع بشكل منتظم منذ أن كان عمره 25 سنة، بل امتد حسه التضامني إلى حث أقاربه ومعارفه على التبرع بالدم، إذ يصر على مرافقتهم وييسر سبل وصولهم إلى مراكز التبرع، حرصا على استمرارية هذه الخدمة النبيلة، حتى أنه كان يمتنع عن السفر مخافة أن يحتاج مريض كيس دم فيكون قريبا ليمده به. شخصية مرحة تحب الحياة، تبدو عفوية للوهلة الأولى لكنها تنطوي على حس عال للمسؤولية وتعاطف منقطع النظير، بلغ السبعين من عمره لكن مظاهر الشيخوخة لا تكاد تظهر على وجهه، ولم تنل من شباب روحه، فهو المتبرع المتطوع المنتظم الذي حافظ على لياقته البدنية وتمتع بصحة جيدة طوال حياته.

بين مركز تحاقن الدم، ومقرات هيئات المجتمع المدني الناشطة في المجال الصحي والتوعوي، والمساجد التي تحتضن حملات التبرع، يتنقل علي متطوعا لمد يد المساعدة وتقديم أي خدمة يمكن أن تساهم في إنجاح أي مشروع أو حملة للتبرع بالدم، من إرشاد المتبرعين وتوزيع المطويات ولصق الملصقات، حتى الاطمئنان على الحالة الصحية للمتبرعين، وهو ما جعله ينسج علاقات إنسانية طيبة مع عدد من الأطر الطبية والمتبرعين.

ففي تدوينة له على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، قدمه الدكتور أيمن بوبوح، بعد أن التقاه خلال حملة للتبرع بالدم نظمتها في نونبر 2015 جمعية الحياة بالمركب الطبي الوفاق في مدينة تمارة، على أنه أكبر متبرع بالدم على الصعيد الوطني، ومثال للوطنية والإنسانية الحقة، يقدم خدماته في صمت وفاقت تبرعاته 90 لترا من الدم، في الوقت الذي لا تتعدى فيه نسبة التبرع عند المغاربة، حسب الدكتور بوبوح، 0,5 في المئة من عدد السكان. في البداية كنت أتبرع بمعدل أربع مرات في السنة، ثم انتقلت إلى 6 مرات في السنة، يقول السيد الشرقاوي، مضيفا “لم أشعر يوما بأي تراجع في حالتي الصحية أو أي تأثير سلبي لعملية التبرع بالدم”. وإذا كان أثر السنين لا يبدو على محيى علي، إلا أنها استطاعت، وفقا لطبيعة بني البشر، أن تنال من قدرته على مواصلة الالتزام بصدقته الجارية، فتوقفت مواظبته على التبرع بدمه، عند سن 69 سنة، لكن مسيرته استمرت، ففور انقطاعه عن التبرع، سلم المشعل لابنه محمد الشرقاوي، وهو شاب في السابعة والعشرين من عمره يسير على خطى والده ولا يتردد في منح دمه منذ أن رافقه والده أول مرة إلى مركز تحاقن الدم إلى أن أصبح بدوره متبرعا منتظما.

هذا الانتظام هو ما تسعى إليه منظمة الصحة العالمية وكذا مركز تحاقن ومبحث الدم الذي تراهن استراتيجيته برسم سنوات 2017-2020 على المتبرع المنتظم، والذي يؤكد أنه يمكن للرجال التبرع بالدم مرة واحدة كل شهرين، فيما يمكن للنساء القيام بذلك مرة كل ثلاث أشهر بواقع ثلاث مرات في السنة، دون أن تترتب على ذلك أية أعراض صحية.

فمنظمة الصحة العالمية ترى في التبرع بالدم مبادرة نبيلة وحيوية تمكن من إنقاذ كل يوم حياة الآلاف من المحتاجين عبر العالم، وتحث على الحس الأخلاقي العالي الذي يرمز للقيم الإنسانية المتمثلة، على الخصوص، في التضامن والتعاطف مع الآخر.

وتعتبر أن الدم مورد هام سواء بالنسبة لتوفير العلاجات أو تنفيذ التدخلات العاجلة و إجراء العمليات الطبية والجراحية المعقدة، كما يمكن أن يساعد المرضى الذين يعانون من حالات صحية تهدد حياتهم ويسعف في علاج الجرحى أثناء الطوارئ بشتى أنواعها. وينطوي توفير إمدادات كافية من الدم أثناء الطوارئ، حسب المنظمة، على إنشاء خدمات منسقة جيدا لنقله، وهو أمر يتعذر ضمانه ما لم يتم إشراك كافة فئات المجتمع ومجاميع المتبرعين بالدم ممن يلتزمون بالتبرع طوعا ومجانا طوال السنة.

فما الذي بوسعك أن تفعله؟ تبرع بالدم. امنحه الآن. امنحه بكمية كبيرة، هو ذا الشعار الذي اعتمدته منظمة الصحة العالمية هذه السنة لتخليد اليوم العالمي للتبرع بالدم، إذ تركز حملة هذا العام على التبرع بالدم أثناء الطوارئ.

وتؤكد الحملة على الدور الذي يمكن أن يؤديه كل شخص في مساعدة الآخرين أثناء حالات الطوارئ من خلال منح دمه كهدية قيمة، كما تركز على الحقيقة القائلة إن الانتظام في التبرع بالدم ضروري من أجل توفير مخزونات كافية من الدم قبل وقوع طارئ ما.

ويشكل هذا اليوم أيضا مناسبة للاحتفال بالمتبرعين، المنتظمين منهم وغير المنتظمين، احتفال استحقه علي الشرقاوي، أو البطل كما يحب هو أن يسمي المتبرع، عندما حصل على ميداليتين إحداهما ذهبية وأخرى فضية، يفخر بتقديمهما لكل من زاره في بيته، فضلا عن شهادات وذروع قدمها له مركز تحاقن ومبحث الدم، عرفانا بخدماته الإنسانية الجليلة، وتقديرا لتعاطفه وتضامنه مع المرضى.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة