عتيق السعيد : خطاب العرش رسالة قوية للمسؤولين بالعمل الجاد أو الإنسحاب

خطاب الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش، جاء في سياق وطني حافل بالمكتسبات و التحديات فمن خلال تتبعنا لمضاميته نستخلص ما يلي:

الخطاب قدم تقييما دقيقا لوضعية الاصلاحات التنموية بالبلاد من خلال قراءات نقدية لبعض المجالات

كشف الخطاب انه رغم محدودية الإمكانات التي يتوفر عليها بلدنا و التطور الذي أصبح مشهود به فإن بلورة جملة من المشاريع التنموية والإصلاحات السياسية والمؤسسية الهدف منها خدمة المواطن أينما كان، حيث أن الانتماءات القبلية و الحسابات السياسية شكلت عائقا دون توفر خدمات اجتماعية لبعض المناطق المعزولة عن مخططات التنمية، و الواضح للعيان أن المفارقات التي تحدث عنها جلالة الملك هي نتاج لضعف العمل الجاد وفق مقاربة تشاركية بين جميع الفاعلين، وغياب البعد الوطني والإستراتيجي، والتنافر بدل التناسق والالتقائية، والتبخيس والتماطل، بدل المبادرة والعمل الملموس الذي يعود بالنفع على المواطن المقهور في غياب تام و ممنهج أحيانا للاوعي بالمسؤولية و الأمانة.
ففي ظل ما تعرفه الدولة من تطور و ازدهار يساير التحولات الاقتصادية لدول العالم المتقدم أصبحنا حقيقة نلمس تناقضا يجعل المتتبع للشأن المغربي يشكك في موقع هذا البلد الذي لطالما أبان عن تجربته الرائدة في التحديث ومسايرة للزمن الاقتصادي، حيث أن بعض مناطق المملكة لازالت تفتقر لأبسط الحاجيات كالمستشفيات، والكهرباء، والماء.. و هو الأمر الذي يجعلنا أمام الحاجة الملحة لتفعيل مقتضيات الجهوية المتقدمة و ما تحمله من مبادئ التضامن و التكافل بين الجهات، لاسيما المتعلقة بالفصل 136 من الدستور الذي ينص على مبادئ التدبير الحر و على التعاون و التضامن و يؤمن مشاركة السكان في تدبير شؤونهم و الرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة و المستدامة.
حيث أن التفعيل السليم للجهة المستقلة سيحول دون بروز نقاط سوداء في مسار التحولات الاجتماعية و الاقتصادية لبعض المدن و الأقاليم، كما أن مجالسها مطالبة بتفعيل الفصل 139  الذي ينص على المقاربة التشاركية للحوار و التشاور، لتسيير مساهمة المواطنين و كذا الجمعيات في إعداد برامج التنمية و تتبعها. و هو ما جعل بعض المناطق تعرف غيابا للتواصل و التتبع للمشاريع التنموية حيث أن برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تزال بعيدة عن مسار التطور القانوني للمملكة.

كشف الستار عن واقع الإدارات العمومية و الحاجة إلى تجويد الأداء الإداري و المالي لتلبية حاجيات المرتفقين بغية تكريس الحكامة المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور

جلالة الملك قدم تقييم دقيق للوضعية التي أصبحت تعرفها إداراتنا العمومية نتيجة عوامل بشرية بالدرجة الأولى، حيث أن بعض الموظفون العموميون لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم ، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية. وهو ما يجعل الإداة فارغة من جوهرها الأساسي المتمثل في تقديم خدمات للمواطن و تلبية حاجياته اليومية
فقد أصبحت للأسف إداراتنا تشهد ظواهر يندى لها الجبين تتمثل في الموظف الشبح أو الذين يقضون سوى أوقات معدودة، داخل مقر العمل، ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون، على قلته ، بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي. بالإضافة إلى تفشي المحسوبية و الزبونية و غياب تام للضوابط الإدارية، حيث عدم احترام توقيت العمل و غياب التنسيق بين المصالح و الهياكل الإدارية و كذا الشطط الممنهج في استعمال السلطة و الرشوة أو عزلة بعض الإدارات عن المحيط الجامعي و التطور العلمي هي أسباب و أخرى عديدة تساهم في تخريب الدور المنوط بالإدارات و المتمثل في تجويد الخدمات العمومية و الرقي بالعمل الإداري خدمة للصالح العام و منه للمواطن بشكل مباشر خالي من الرواسب السلبية التي تشع على النفور و الاحتقان الاجتماعي

أصبح الفساد الإداري من بين ما يعيق المغرب، ولا غرابة في ذلك ما دامت مؤسسات الدولة هي المراة التي تعكس مدى فعالية التطور الحاصل بالدولة نظرا لما تعرفه من تواصل و تفاعل مباشر مع المواطن سواء من حيث مستوى النجاعة أو جودة الخدمات المقدمة.
إن تفعيل مقتضيات الدستور لاسيما الباب الثاني عشر و المتعلق بالحكامة الجيدة أصبح مطلبا ضروريا للنهوض بالوضع الإداري للمغرب من خلال هيئاتها، حيث أن الفصل 167 ينص على ضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، و تلقي و نشر المعلومات في هذا المجال، و المساهمة في تخليق الحياة العامة، و ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة و ثقافة المرفق العام و قيم المواطنة المسؤولة.
كما نجد الفصل 154 ينص على المساواة بين المواطنين و المواطنات في الولوج للمرفق العام. و جملة من الفصول الدستورية التي تنص على المحاسبة و تفعيل الدمقرطة الإدارية، حيث ان الوضع الراهن معاكس لروح الدستور فيما يتعلق بمردودية القطاع العام ببعض المناطق التي اصبح المستثمر ينفر منها نظرا لصعوبة و تعقيد المساطر الإدارية و بالتالي تفريغ المنطقة من المشاريع التنموية التي تعود بالنفع فالمناطق التي تفتقر لمعظم المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية، ولفرص الشغل، تطرح صعوبات أكبر، وتحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود، لتدارك التأخير والخصاص، لإلحاقها بركب التنمية.
أي دور للأحزاب السياسية في ضل التحولات السياسية و الاجتماعية ؟
من خلال حديث صاحب الجلالة عن القدرة على التنفيذ والإبداع المرتبط بمكانة الأحزاب السياسية يجعلنا أمام تصور واضح لمدى فعالية الكثير من الأحزاب السياسية التي لم تواكب لتطور السياسي والتنموي، ولتطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة.
لطالما شعر المواطن في غير مناسبة أن العديد من الأحزاب تتسابق نحو ركوب أمواج النجاحات التي عرفتها المملكة حيث تهرول بشكل خالي من أدنى درجات العفة السياسية، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة و هو ما لا نلاحظه بشكل ملح عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه.
وشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.

إن مسؤولية وشرف خدمة المواطن، تمتد من الاستجابة لمطالبه البسيطة، إلى إنجاز المشاريع، صغيرة كانت، أو متوسطة، أو كبرى.

لقد شدد الملك على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة حيث أن الفساد الذي راج العديد من القطاعات الحوية يجعلنا أمام ضرورة للتفعيل الكامل لهذا المبدأ بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة.
ولعل تعثر مشروع الحسيمة منارة المتوسط كان دافع من أجل التحقيق مع كل مقصر في انجازه على الواقع. كما أن الحسابات السياسية والإيديولوجية جعلت من الصراعات فخ لضرب حزب بالوقوع في حفرة الفشل و جعله عاجزا بشكل أو بأخر عن دوره في تفعيل المشاريع بل الأخطر من ذلك توقيف أو تعطيل مشروع تنموي أو اجتماعي، لحسابات سياسية أو شخصية، وهو ما وصفه جلالة الملك  إخلالا بالواجب،و خيانة للبلد، لأنه يضر بمصالح المواطنين، ويحرمهم من حقوقهم المشروعة.
محاربة كل أشكال الريع السياسي و التسابق على المناصب، واستغلال السلطة والنفوذ لأغراض شخصية بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والمواطن
لقد شكل الريع محورا من محاور الفساد بالمغرب، حيث أصبح متفشيا في العديد من القطاعات و هو أمر بات مستفزا للمواطن و يزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة، بأن التسابق على المناصب، هو بغرض الاستفادة من الريع، واستغلال السلطة والنفوذ. ووجود أمثلة حية على أرض الواقع، يدفع الناس إلى الاعتقاد بصحة هذه الأطروحة.
إن المضمون العام للخطاب يسلط الضوء على إشكالية لطالما كانت السبب في كل المعيقات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، المتمثلة في النص و التطبيق كون المملكة المغربية غنية بالنصوص القانونية المتقدمة و لا تعرف فراغا تشريعيا بقدر ما تعرف غياب الإرادة في تفعيلها على الواقع من أجل ذلك فخيار التحول الديمقراطي رهين بمقاربة تشاركية تخرجه من هاته المعيقات التي تجاوزها الزمن الدستوري.
د. عتيق السعيد باحث في القانون العام و العلوم السياسية محلل سياسي و كاتب.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة