فكرة مجدية في عالم المواصلات انتقلت إلى المغرب وانتشرت فيه على مدى واسع: إذ بإمكانك أن تشارك أحدهم سيارته، وتقاسمه رحلة السفر، اعتمادا على خدمة تقدم حلا بديلا للمواصلات العمومية ومتاعبها. إنها فكرة “السيارات المشتركة”.
بفضل السيارات التشاركية حصل إبراهيم المقدم (27 سنة) على فرصة عمل في مدينة الرباط بالمغرب. كان يقيم في مدينة الدار البيضاء، وتلقى رسالة نصية تحدد له موعد مقابلة عمل مصيرية في الرباط في اليوم نفسه. كان على إبراهيم أن يكون هناك بعد ساعات، تردد قليلا، لكنه لم يجد بديلا آخر عن الصفحة التي تقدم خدمة النقل المشترك.
“السيارة المشتركة أنقذتني”
“كنت أعرف أن أمر التنقل عبر القطار قد يعرضني للتأخر”، يقول ابراهيم لـ DWعربية. فقد حكى لنا كيف أخرج هاتفه وقام بجولة في الصفحة، لفت انتباهه إعلان لشاب اسمه أنس، يقول إنه سيتحرك صوب الرباط من الدار البيضاء في غضون نصف ساعة.
فقام بمراسلته على الخاص، وفي أقل من عشرين دقيقة، كانت سيارته الصغيرة تتوقف أمام محطة للبنزين اتفقا عليها في محادثتهم. “بفضله وصلتُ في الموعد المحدد وأنا اليوم حصلت على وظيفة، وأصبحنا أصدقاء”، يقول إبراهيم.
وليس إبراهيم إلا واحدا من بين المستفيدين الكثر الذين انتفعوا من خدمة السيارات المشتركة. فمن المستخدِمين من عاود الخدمة لأكثر مرة ونشر إعجابه بها في مجموعة الخدمة على الفيسبوك، ومنهم من تحدث عن مساعدة الخدمة في اكتشاف أماكن والسفر إلى مناطق لم تكن بالحسبان.
منشور داخل مجموعة للسيارات المشتركة، يعبر فيها أحد مستعمليها عن جو المرح والصداقة الممكن عيشه أثناء الرحلة.
“تعرضت للتحرش”
نجاة الوافي، شابة مغربية في سن الخامسة والعشرين. وهي واحدة من مستعملي السيارات المشتركة في أوروبا. في حوارها مع DWعربية، قالت نجاة إنها استعملت هذه الخدمة في بلجيكا وفي المغرب. في بروكسيل كانت تلجأ إليها لتتنقل إلى ألمانيا، تقول نجاة: “25 يورو تكفيني لقطع هذه المسافة”، وتضيف: “هو مبلغ بسيط مقارنة مع تكلفة القطار أو الحافلة”.
نجاة التي لجأت إلى هذه الخدمة مرات كثيرة لتقضي نهايات الأسبوع مع العائلة في ألمانيا تقول، إنها لجأت إلى هذه التقنية في المغرب، أثناء العطلة الصيفية السنة الماضية، لكنها عاشت تجربة ضايقتها كثيرا. فقد لجأت إلى صفحة تقدم هذه الخدمة، لتسافر من مراكش الى أغادير، ووجدت فعلا إعلانا لشاب مغربي يقول فيه إنه سيتنقل إلى الوجهة التي تريدها وكتب بالفرنسية: “أحتاج من يقاسمني الطريق، سأتكلف بالبنزين على أن يؤدي ضيفي ثمن القهوة في محطة الاستراحة”. راسلته على الخاص وفعلا التقيا في ساحة جامع الفنا مساءً وانطلقت الرحلة، لكن عند وصولهما إلى أغادير كما تقول نجاة: “تودد لي وطلب مني أن أرافقه إلى بيته”. نجاة أبدت انزعاجها من السائق وقررت ألا تلجأ إلى هذا النوع من التنقل بعد.
إذا كانت ظاهرة السيارات المشتركة في المغرب ذات سلبيات على سبيل التحرش، فمستعملوها، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعبرون عن بعض السلبيات الأخرى على سبيل تأخر صاحب السيارة.
الحاجة أمّ الاختراع
بأكثر من 200 إعلان في اليوم حالياً، يعبّر جيل جديد من المغاربة -أغلبهم شباب- عن نوعية جديدة من النقل البديل. “السيارات المشتركة”، أو كما تُعرف اختصارا في المغرب “الكوفواتيراج- co-voiturage”، باتت اليوم طريقة معتمدة للتنقل في كل الجهات، وهي الفكرة التي طورها الشاب هشام الزواوي وأنشأ لها صفحة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي أطلق عليها اسم “Pip Pip Yallah “.
الشاب الزواوي يؤمن بهذه الخدمة وبإيجابياتها. كما أن حاجته لوسيلة تضمن وصوله إلى مقر تدريبه بمدينة أخرى غير مقر سكناه -بعد عودته من فرنسا إلى المغرب- جعلته يبحث عن حل يقيه تأخر القطار وازدحام مواصلات النقل الجماعي. هشام يؤكد على كون الخدمة بديلا حقيقيا لمجموعة من الشباب المغاربة وحلا لتجنب ما يسميه الكثيرون: “رداءة خدمات النقل العمومي”.
يعتبر هشام التنقل بهذه الطريقة وسيلة آمنة خصوصا بالنسبة للفتيات. ويقول في حديثه لـ DW عربية: “على الأقل، عبر صفحتنا تتعرف الفتيات على صورة السائق الذي يضع إعلان الخدمة ورقم هاتفه”. هشام يرى أن وجود أصدقاء مشتركين في العالم الافتراضي بين الزبائن والسائقين، هي أيضا الأسباب التي تجعل هذه الخدمة محيطا آمنا للإناث.
ظاهرة جديدة… بإمكانها التقليص من حوادث السير
وفي حديث لـ DW عربية، قال رئيس قسم التواصل والتحسيس باللجنة الوطنية المغربية لحوادث السير، عبد الصادق معافة، إن بإمكان هذه الظاهرة الجديدة التقليص من حوادث السير، موضحا ذلك بمثاله: “إذا افترضنا أن أربع عائلات اتفق أفرادها على استخدام سيارة واحدة لنقل أبنائهم إلى المدرسة بدل أربع سيارات، سنلاحظ كيف يمكن للسيارات المشتركة أن تخفف العبء الذي يشل حركة السير”.
وبالرغم من غياب إحصائيات بهذا الخصوص، نظرا لجدة الظاهرة على مستوى المغرب، فقد اعتبر معافة هذه الخدمة حلا إيكولوجيا للتقليص من ظاهرة التلوث التي يمكن أن تنتج عن استخدام السيارات داخل المجال الحضري والريفي كذلك.