تستمر الحياة السياسية في رتابتها المُمِلة، حيث تتشابه في الكثير من الأحيان، الإشكالات المطروحة داخل العديد من الأحزاب، وكأنها فيدرالية يوحدها فقط الصراع من أجل السلطة، بلا برنامج واضح، بل قد تتطابق بنوده، بين أحزاب مختلفة في المشارب، لكنها تلتقي في أمر واحد، هو التطاحن التنظيمي، بنفس الأساليب والمنهجيات، قد تختلف تجلياتها وتٓتّحِدُ في مضمونها.
ويمكن القول إن هذه الظاهرة تطورت كثيراً في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الزعامة تبنى على الموقع التنظيمي أو الحكومي أو الإنتخابي، أكثر منها على النضال في الساحة والعطاء الفكري والسياسي، لذلك يشتد الصراع التنظيمي، بهدف تجنيد الأنصار، وليس إقناع المناضلين، إذ يتحول التجييش إلى عُملةً جارية، تستعمل فيه كل الأساليب “التقليدية”، من زبونية ومحسوبية، عبر الوسائل التي تتوفر لل”زعامات” الفارغة، من موقعها الحزبي “السلطوي” أو الحكومي أو الإنتخابي.
لذلك أصبح الصراع ضارياً حول المواقع، لأن الإعتقاد الذي بدأ يطغى هو أن الموقع يصنع الشخص، رغم أن التاريخ الحقيقي، أثبت أن الشخص هو الذي يصنع مكانته، لكن الواقع الحالي في بلادنا، اليوم، يشجع على اعتبار الموقع أهم من العطاء النضالي والسياسي والفكري.
وهذا ما يفسر المنحى السلبي الذي تسير فيه اليوم الصراعات داخل العديد من الأحزاب، حيث أنها تطاحنات تنظيمية، بالمعنى القدحي للكلمة، وليست صراع برامج وأفكار وتصورات وفعل في الساحة.
والنتيجة هي إعادة إنتاج النموذج الزبوني، في بنية هذه الأحزاب، سواء من خلال السيطرة على التنظيم وقتل الديمقراطية الداخلية وتركيز السلطة، أو من خلال توزيع المنافع عبر المجالس المنتخبة أو استغلال الموقع الحكومي، لتقسيم النفوذ والمصالح ، وجعله في خدمة الشخص، وليس الصالح العام.
لذا من الطبيعي أن يقارن المرء بين العديد من زعامات الماضي، وبعض “زعامات” اليوم، معتبراً أن الفرق شاسع، حيث أن أغلب الزعماء الحقيقيين، تاريخيا، لم يكونوا مرتبطين بأية سلطة من هذه السلط الثلاث، التنظيم والهيآت المنتخبة والسلطة الحكومية.
الرتابة والملل في الحياة السياسية، نتيجة لهذا الوضع، الذي تَسٓيّدَتْ في أغلب مظاهره الصراعات من أجل المواقع، مدعمة بالتجييش الزبوني وبكثير من أساليب الماركيتينغ، التي تسمح بها التكنولوجيات الحديثة، لكنها في نهاية المطاف تظل فارغة من المضمون، رغم كثرة الظهور.