بعد تأخر دام سنوات عن أوروبا وشرق آسيا تعج الدول العربية بمشاريع الطاقة الشمسية. ما سر هذا الازدهار في زمن الاخفاقات السياسية، وهل يمكن تعزيزه باختراعات ألمانية تبحث عن شركاء لها في أسواق هذه الدول المتعطشة للكهرباء؟
على عكس السياسة والأمن وأسعار النفط والعمل تبدو مشاريع الطاقة الأكثر رواجا في العالم العربي هذه الأيام، فمن المغرب وحتى الإمارات مرورا بمصر والسعودية والأردن يتم الإسراع بتوسيع المحطات القائمة وبناء محطات طاقة جديدة بأحجام مختلفة لتنويع مصادر توليد الكهرباء وسد الطلب المحلي المتزايد عليها. أما الملفت في الأمر فهو بناء محطات الطاقة الشمسية والمتجددة الأخرى حتى في بعض دول الخليج كالسعودية التي كانت حتى عهد قريب لاترى سوى الغاز والمشتقات النفطية لتوليد الكهرباء. ويبرز من بين المشاريع على مستوى الدول العربية “نور” المغربي و “بنبان- أسوان” المصري، و “مصدر” الإماراتي و “معان” الأردني.
ثورة في مجال الطاقة الشمسية
الخبيرباول فون سون، مدير شركة مينات/ MENAT الإماراتية للطاقات المتجددة يرى بأن العالم العربي يشهد “تحولا وصحوة في مجال الطاقات المتجددة مشيرا إلى أن هناك 850 مشروعا قيد التخطيط والإنجاز في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها تركيا حاليا”. وقال الخبير في محاضرة له خلال الملتقى العربي الألماني الثامن للطاقة الذي تم تنظيمه في برلين من قبل غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية بالتعاون مع اتحاد الغرف العربية: “حتى قبل ثلاث سنوات كان معظم المستثمرين وصناع القرار يتسأئلون لماذا الطاقات المتجددة في منطقة غنية بالنفط والغاز، أما اليوم فقد تغير الأمر حتى في السعودية التي بدأت فيها شركة أرامكو مؤخرا بمشروع محطة للطاقة الشمسية”. ويبدو العالم العربي ومعه منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأسرع في تخطيط وتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية. ويأتي ذلك بعد سنوات من التردد والتأخر عن التوجه إلى الطاقات المتجددة مقارنة بأوروبا وشرق آسيا. ويبدو أن صناع القرار هناك أدركوا بأن الاعتماد على الطاقات التقليدية وفي مقدمتها النفط والغاز مسألة وقت كونها ناضبة وعالية التكلفة.
الجدوى العالية للطاقة الشمسية
يعزي الخبير فون سون هذا التحول إلى عوامل عدة في مقدمتها الجدوى الاقتصادية وقدرة محطات الطاقة الشمسية على الإنتاج بأسعار منافسة لمحطات الطاقة الإحفورية بفضل ما يشبه ثورة تكنولوجية في مجال خلايا الطاقة الشمسية. “اليوم وبفضل التطور التكنولوجي النوعي الذي شهدته تقنيات هذه الطاقة يمكننا في دبي على سبيل المثال إنتاج كيلو واط ساعي بالاعتماد على الشمس بتكلفة لا تزيد على 3 سنتات مقابل 7-8 سنتات تكلفة إنتاج كيلو واط ساعي بالاعتماد على الغاز ومشتقات النفط”، يقول الخبير مضيفا في حديث مع DW عربية: “إنها فرصة نادرة للعالم العربي لإنتاج الطاقة المتجددة من الشمس والرياح على مدار الساعة، لاسيما في حال تم ربط شبكات دول المغرب والمشرق ومحيطها عبر مصر”. فمثل هذا الربط يمكنه تغطية الطلب في أوقات الذروة التي تختلف في دول الخليج عن بلدان المغرب بسبب اختلاف التوقيت وساعات سطوع الشمس وحركة الرياح”.
ألمانيا تدعم تنويع مصادر الطاقة
وزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية تسيبراس: ألمانيا شريك هام جدا للعالم العربي في تنويع مصادر الطاقة الكهربائية.
يحظى التحول اللافت في العالم العربي نحو الطاقات المتجددة التي تعد طاقات المستقبل بدعم رسمي ألماني أكدت عليه وزيرة الاقتصاد الألماني في كلمتها خلال افتتاح الملتقى بالقول إن “ألمانيا تدعم جهود الدول العربية لتنويع مصادرها من الطاقة والشركات الألمانية خير عون لها كون هذه الشركات مستمرة في تطوير التكنولوجيا التي تواجه أعقد الظروف المناخية. وقد عكس حضور ممثلي عدد هام من هذه الشركات اهتمامها بالأسواق العربية في مجالات الإنتاج والحد من الهدر وتقديم الاستشارات والصيانة. وكان من اللافت هنا الاهتمام المتزايد من قبل الشركات الألمانية بإنتاج مكونات مشاريع الطاقة في الدول العربية عن طريق مشاريع مشتركة لعدة أسباب من أبرزها تعطش هذه الأسواق لهذه المكونات وتزايد صعوبات الإنتاج بتنافسية في السوق الألمانية بسبب تراجع الدعم الحكومي والمنافسة الصينية والآسيوية.
أهمية الشراكة مع ألمانيا
في ندوة الطاقات المتجددة خلال المتلقى العربي الألماني الثامن للطاقة إجماع على مستقبل واعد للطاقة الشمسية.
شركة “سولارتسينتروم آلغوي/ Solarzentrum Allgäu” من الشركات الألمانية التي وجدت شريكا لها في الأردن ونقلت إنتاجها إلى العقبة الأردنية حيث تم تأسيس شركة “فيوسن/ WIOSUN” التي تنتج حاليا مكونات الطاقة الشمسية بتقينات ألمانية. في هذا السياق يقول فيلي بيلر مدير سولارتسينتروم آلغوي إن “الإنتاج في العقبة يجد سوقه في الأدرن وفي الخارج بأسعار منافسة إذا أخذنا الجودة الألمانية بعين الاعتبار”. وإذا كانت سولارتسينتروم آلغوي وجدت شريكا لها، فإن الكثير من الشركات والاختراعات الألمانية تبحث عن شركاء لها في الدول العربية. ومن بينها على سبيل المثال تلك التي تساعد على تخفيض استهلاك الكهرباء من أجل التهوية والتبريد، لاسيما وأن تقنيات وأجهزة الأخيرة تستهلك 70 بالمائة من الكهرباء في منطقة الخليج و 50 بالمائة منها في منطقة الشرق الأوسط. “ايكوسيست لعناصر الطاقة/ EcoSyst- Klimaelemente” على سبيل المثال اختراع تمت تجرتبه في جامعة “بالما دي مايوركا” الأسبانية. هذا الاختراع يعد بنظام تهوية يحل مكان أجهزة التبريد التقليدية التي تلتهم الكهرباء وخاصة في أيام الصيف الحارة. ويتم ذلك بالاعتماد على جهاز مبسط يعتمد على ألواح طاقة شمسية يتم تركيبها على الأسطح ولا تحتاج إلى تكاليف كبيرة مقارنة بتكاليف محطات الطاقة التقليدية.
الدول العربية النفطية- ماذا بعد نهاية عصر النفط؟
يزيد الطلب على الكهرباء في الدول العربية بشكل يحبس الأنفاس بسبب زيادة عدد السكان الذي يقارب 280 مليون نسمة ومتطلبات التنمية في إطار معدلات نمو تزيد على 3 بالمائة حسب عبد عبد العزيز المخلافي، الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية. وتذهب التقديرات إلى أن هذه الدول تحتاج إلى 160 ألف ميكاوات بتكلفة تصل إلى نحو 200 مليار دولار لتغطية حاجة السوق بحلول 2020. وفي المقابل تعد ألمانيا في مقدمة الدول التي تضم مئات الشركات الرائدة في تطوير تقنيات الطاقة التقليدية منها والمتجددة. وهناك عدد من هذه الشركات يبحث عن شركاء في المنطقة العربية في مجالات الإنتاج والتوزيع والصيانة. السؤال المطروح هنا، هل تستغل الشركات والحكومات العربية الفرصة وتدعم تأسيس شركات مشتركة بين الجانبين على غرار ما تفعله دول أخرى كالصين حيث لعبت التقنية الألمانية دورا كبيرا في تطوير صناعاتها في مجال الطاقة المتجددة؟ هذا السؤال طرحه أيضا الكثير من المشاركين في فعاليات الملتقى العربي الألماني الثامن للطاقة في برلين أواخر نوفمبر 2017 بمشاركة نحو 300 من رجال الأعمال والخبراء وصناع القرار في ألمانيا والعالم العربي.