في تطور غير متوقع، قرر المغرب عدم الترشح لاستضافة كأس الأمم الإفريقية لعام 2019، بعدما سحب الاتحاد الإفريقي لكرة القدم حق التنظيم من الكاميرون. غير أن نهاية القصة قد تكون حبلى بمفاجئات ستجعل من المغرب ملاذا لا مفر منه.
لم يتبق لنهائيات بطولة إفريقيا للأمم لكرة القدم (نسخة 2019) سوى سبعة أشهر، ومع ذلك لا تزال هوية البلد المنظم مجهولة، بعد ما قرر الاتحاد القاري للعبة “كاف” سحب حق التنظيم من الكاميرون، فيما كانت جل التقارير الإعلامية تذهب في اتجاه منح التنظيم للمغرب بحكم بنياته الرياضية الجيدة. ويذكر أن سحب التنظيم من الكاميرون كان على خلفية التأخر في إنجاز أعمال البنى التحتية ومنشآت الملاعب والقلق من الوضع الأمني.
وبمجرد أن أعلن “كاف” قرار سحب التنظيم من الكاميرون، تواردت تقارير إعلامية جعلت من المغرب مرشحاً تلقائياً جديراً باستضافة العرس الكروي الإفريقي، ما أجج في حينه التكهنات حول دور “سياسات ما وراء الكواليس” في القرار، بينما اعتبره البعض تأثيراً متنامياً للمغرب في مؤسسات “كاف”. غير أن منصف اليازغي، عضو المركز المغربي للدراسات والأبحاث في المجال الرياضي، يرى في حوار مع DW عربية أنه “لم يكن هناك أي تصريح رسمي خلال العامين الماضيين سواء من طرف وزارة الشبيبة والرياضة أو الجامعة المغربية لكرة القدم بشأن الترشح. فمن يؤمن بالتقارير الإعلامية قد يرى في القرار المغربي مفاجأة، ومن يستند لتصريحات مسؤولين يمثلون مؤسسات رياضية وحكومية فليس في الأمر أي مفاجأة”.
السياسة الإفريقية للمغرب ورد الجميل للكاميرون
ينتهج المغرب سياسة إفريقية نشيطة على المستويات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية، ومن غير المستبعد أن يكون قرار الرباط مرتبطاً بانتشار تأويلات إعلامية لقرار “كاف”. فقد تفاعلت الكاميرون بحساسية بالغة مع الموضوع، وهي التي صوتت لصالح المغرب لاحتضان مونديال 2026. وهكذا نددت بلاد روجيه ميلا بقرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، ووصفته بـ”غير العادل” وبـ”الظلم الصارخ”. وفي بيان شديد اللهجة، أكدت أنها ستنجز كل المشاريع المقررة في موعدها المحدد رغم قرار السحب. ورأت الوزارة الكاميرونية أن “من الواضح (…) أن بلدنا كان عرضة لمعاملة تثير التساؤل”، مؤكدة أن القرار هو “ظلم فاضح”.
ودون الدخول في تقييم دقة وموضوعية التظلم الكاميروني، قد تكون الرباط راعت مشاعر الكاميرونيين وبعض الدول الإفريقية، وهي التي وضعت إفريقيا على رأس أولويات سياستها الخارجية. ويعتبر منصف اليازغي أن الخطوة المغربية تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من جهة تثبت أن الرباط لم تسع يوماً لتنظيم هذه البطولة. ومن جهة أخرى ترفع التهمة عنها بالدفع في اتجاه سحب تنظيم البطولة من الكاميرون. وبالتالي فإن القرار المغربي ليس معزولاً عن سياسته ورؤيته الإفريقية.
ولا ننسى أنه كان هناك نوع من التوجس في بعض البلدان من الدور المتنامي للمغرب في القارة السمراء، كما ظهر خلال طلب بلد “أسود الأطلس” الانضمام إلى مجموعة “إكواس”، والتي رأى فيها البعض سعياً من المغرب لفرض هيمنته الاقتصادية على غرب إفريقيا. وهنا تتأكد مقولة أن الرياضة ما هي، في نهاية المطاف، إلا امتداد للسياسة. وفي هذا الصدد، يقول اليازغي إن ضمان متانة تحالفات المغرب السياسية مع الدول الإفريقية في سياق عودته للاتحاد الإفريقي أهم من تنظيم ظرفي لبطولة رياضية.
استضافة المغرب للبطولة لا تزال واردة؟
الواقع أن جاهزية الكاميرون لتنظيم البطولة كانت موضوع جدل واسع من قبل الكاميرونيين أنفسهم، حيث أقر جزء من النخب الرياضية والسياسية في البلاد بالتأخر الواضح في مواقع البناء. كما أكدت ذلك تقارير لجنتين قامتا بزيارة الكاميرون، إحداهما تعنى بمتابعة إنجاز أعمال البنى التحتية ومنشآت الملاعب، والأخرى بالوضع الأمني.
إن ترشح المغرب من عدمه ليس له أي تأثير، من الناحية التقنية، على جاهزية الكاميرون من عدمها. وبالتالي فإن خطوة المغرب بعدم الترشح قد تكون خطوة تكتيكية، كما يوضح اليازغي، فجنوب إفريقيا أبدت اهتماماً بتنظيم البطولة دون الترشح بشكل رسمي لحد الآن بسبب صعوبات في وضع ميزانية ضخمة فورية حسب تقارير إعلامية جنوب إفريقية. أما مصر فتواجه إكراهات أمنية، وبالتالي فمن المستبعد إقدامها على الترشح رسمياً. “وقد ينتهي أجل الترشيح دون أن تتقدم أي دولة فيظهر المغرب كمنقذ للكرة الإفريقية (..) وبذلك سيضرب المغرب عصفورين: الأول هو الحفاظ على علاقات طيبة مع الكاميرون. والثاني سيظهر كمنقذ وشريك للكاف”، على حد تعبير منصف اليازغي.