آمنة ماء العينين، التي طالما هاجمت سياسيات وسياسيين، لا لشيء سوى أنهم اختلفوا معها، ليس في الرأي، وإنما في السياسة، التي حولها البعض من مقارعة للأفكار إلى النبش في الحياة الشخصية، مع “قادة” جدد شعبويون وظفوا كتائبهم للنبش في الحياة الخاصة لـ”خصومهم”، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت نفسها اليوم “ضحية” لسلاحها، الذي أصبها كما أصابتها “نيران صديقة”.
أمنة ماء العينين، في تدوينة على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان “في مطلب الوضوح”، كما تدوينات سابقة، منذ بداية حملة ضدها لظهورها في صور دون حجاب، وهذا من حقها، وحرية فردية، لا دخل لأحد فيه، بدت “مكسورة الجناح”، و”منهزمة”، بل رغم محاولاتها إظهار أن الحملة لم تأخذ منها، لكن كل كلمة وكل جملة تبرز أن ماء العينين “الشرسة” في مواجهة كبار الساسة، طبعا، في أعراضهم وحياتهم الشخصية، مجندة خلف قائدها عبد الإله بن كيران، بدت كـ”حمل وديع” و”ضحية”.
وبدل أن تظهر بمظهر آمنة القوية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، و”تخرج العينين”، عملا بنصيحة الزعيم بن كيران، الذي نصحها بذلك حين قال لها بالحرف “إوا ومن بعد؟ وإن كنت قد اخترت أن أنزع الحجاب في الخارج أو أرتديه هنا فهذا شْغْلي، واللي مزوجني وما عجبوش يطلقني واللي كيتسالني شي حاجة ياخذها”، حاولت تسييس الأمر، واتهام جهات باستهدافها، حين كتبت “فجأة وجدتُها حربا ضروسا وَظفَت فيها جهات ما، كل الإمكانيات الاعلامية واللوجيستيكية، وتكلف بإعلانها وإذكائها أشخاص معروفون من الرجال والنساء بنفس الأدوات والأساليب. حرب سياسية شاملة هدفها التحطيم والنسف دون قواعد ودون أخلاق”، وكأن ماء العينين “الضحية اليوم”، كانت في حربها ضد خصوم حزبها تخوض “الحرب” بمعية عبد العلي حامي الدين، وباقي كتائب بن كيران بـ”أخلاق”.
وأضافت “لم تكن حربا متكافئة من حيث (قواعد اللعب) وكان تدبيرها سياسيا وقد تكون شابته أخطاء، أعترف بذلك لأني وعيت منذ البداية أنها حرب غير متكافئة في مواجهة آلة لا تعرف إلا لغة التدمير، قررتُ بمحض إرادتي في إحدى اللحظات- ولعلها لحظة ضعف إنساني-امتصاص الضربة الموجعة والاعتراف للخصم (القوي) الذي وضعني منذ سنوات في فوهة المدفع بالانتصار، وفي الحرب ضحايا من العائلات والأطفال لم أقوَ على تحمل آلامهم، بعدما نذرتُ نفسي لتحمل كل الطعنات ما دمتُ قد اخترت النضال بالكلمة والموقف دون مساومة أو حساب للربح أو الخسارة، منذ سن الثالثة عشرة وأنا أخوض إضرابا عن الطعام في إعدادية داخلية احتجاجا على سوء التغذية والمعاملة”.
قبل أن تستدرك قائلة “لكن هؤلاء الضحايا لم يختاروا السياسة أو الرهانات النضالية فوجدوا أنفسهم أول المتضررين”، وكأن ضحايا آمنة ماء العينين، وباقي الكتائب لا أبناء لهم ولا أسر لهم بدورهم لم يختاروا السياسة، بل هناك من أقحموا قحما في المعارك “السياسية” وهم لا علاقة لهم بالسياسة، سوى لأنهن زوجات أو أبناء سياسيين، باستغلال أخطائهم أو تتبع خطواتهم، وترصد هفواتهم، ولم تراعوا حتى أن بعضهم مراهق ولا ذنب لهم سوى لأنهم أبناء “خصوم” السياسة اللعينة في زمن الشعبوية، و”لا أخلاق في السياسة”.
وبدل أن تقر ماء العينين أن الصور صورها، وتتبع نصيحة الزعيم، أو تنفي نفيا قاطعا، وتلجأ إلى القضاء، واصلت اتهام جهات أو شخص تعرفه حق المعرفة من دبر الأمر، واستغل لحظة “ضعفها”، حبث كتبت “ها أنت تكسب المعركة ضدها (ماء العينين) فهنيئا لكل من أسهم فيها بسهمه”.
واعتبرت أن هذه “الحرب الضروس”، التي لا يُراد لها أن تنتهي، خلفت وراءها رسائل، حصرتها في 6، أولها، حسب “الضحية” أن “الاضطهاد” موجه لها كنائبة برلمانية وسياسية “بذلت كل جهدها لتشكل إضافة نوعية لمؤسسات بلدها”، وأنه “لا يمكن أن يكون إسهاما في حماية البلد من أصوات مختلفة تخرج أحيانا من أنساق تفكير معلبة ومنمطة، ببساطة لأن الديمقراطية تقتضي التساهل مع قدر من الاختلاف”.
وإذا كانت الرسالة الأولى لجهات ما، دون أن تسميها، فالثانية لحزبها، حيث قالت “إن التنظيمات التي تجد نفسها مضطرة للتذكير بمرجعيتها الإسلامية، وأسسها المذهبية في سياق نقاش أُثير قسريا، وفُرض في سياق حرب غير أخلاقية، حول غطاء رأس إحدى العضوات، هل احتفظت به حقا أو نزعته فعلا؟ هي تنظيمات تحتاج إلى مناعة أكبر لتحصين مناخ النقاشات الكبرى بداخلها بعيدا عن الضغط وحملات الاستهداف والتشنيع، فقد يكون هناك ما يقال حول الأزياء والسلوكات والاختيارات”.
أما الرسالة الثالثة، كان على ماء العينين أن تقدم نقدا ذاتيا قبل أن تخطها، وتعتذر لكل من خاضت ضدهم حروب، وخاضت في أعراضهم، حيث كتبت “إن الأزمات الصعبة تكشف معادن الناس، بين من يتورع عن الخوض في الأعراض، وتصديق الادعاءات، ويقدم الدعم في لحظة تكثر فيها السهام والرصاصات، دون قيد أو شرط أو حتى سؤال عن مدى صحة ما يروج، استيعابا منه لأبعاد الحرب ودواعيها والواقفين وراءها….تحضرني أسماء إخوان وأخوات وأصدقاء وصديقات أعجز عن شكرهم، كما أشكر أولئك الذين اتصلوا واستفسروا وأنصتوا وعبروا عن وجهة نظرهم بنبل وأخلاق سامية”.
وفي الرسالة ذاتها، يبدو أنها موجهة لمن أطلق نيرانا صديقة، لكن في الجوهر، لو تأملت ماء العينين قليلا، فإنها موجهة إليها، أيضا، وكان من المفروض أن تعترف، وتقدم، كذلك، نقدا ذاتيا، لأنها طالما سقطت في الفخ نفسه، حيث كتبت بألم “أشكر أولئك الذين شمتوا وسعوا بين الناس بالنميمة يروجون الادعاءات والشائعات مشهرين بأشخاص أبرياء، نُسجت حولهم الحكايات ونظريات الكيد والمؤامرة وما شهدتُ فيهم إلا نبلا وشهامة وأخلاق (ولاد الناس) التي زادت رسوخا أثناء هذه الأزمة القاسية، علما أن بعض أولئك الذين نذروا أنفسهم لأدوار التشهير وترويج روايات بعض (الصحفيين) و(الصحفيات) هم من (الإخوة) الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال أو الاستفسار”.
وفي الرابعة قالت إن “كل هذا الأذى الذي لحقني وعائلتي وأبنائي، وكل من أثير اسمه في هذه (النازلة)، لن يدفعني إلى الكفر بهذا الوطن الذي يسمح بكل هذه القسوة من طرف من لا يريد الانصات الى صوت مختلف، ومن طرف من يختلف سياسيا فيوجه الطعنات مستغلا فرصة صنعها من صنعها، ومن طرف الحاقدين والمنافسين والكارهين ومطلقي النيران الصديقة”، وهنا لا بد من تذكير ماء العينين، من جديد، بأن لكل السياسيين، الذين سبق أن هاجمتهم لهم أبناء، أيضا، وأن المخالفين لرأيك لم يسلموا من نيران صديقة.
أما الرسالة الخامسة، فهي خاصة، وجهتها إلى “الذين أعلنوا التضامن فارتبكوا ثم سحبوا التضامن ثم اطلقوا الاتهامات بالازدواجية أو النفاق أو الجبن أو ما أرادوا…… شكرا لهم ولو أني لم أطلب تضامنهم رغم تقديري له”، ولم تسأل ماء العينين لماذا تضامنوا، في البداية، ولا الأسباب التي جعلتهم يتراجعون، لأن “الضحية” بدل أن “تخرج” العينين وتقول أنا من في الصور، ونخرج حتى بالبكيني، عملا بنصيحة الزعيم، كذبت ونفت فلقت تعاطفا طبيعيا، لكن حين “اعترفت” ضمنيا، وجدوا أنفسهم ضحية “مفترية”، فما كان، وانطلاقا من قناعتهم، التي تقاسموها معها أن الحجاب فرض، وأن الأخت “زاغت” عن الإسلام، و”وجب قول كلمة حق”.
وفي الأخير، أو الرسالة السادسة، نتمنى أن تكون درسا لماء العينين، ولكل من يسخر حسابه على الفيسبوك لـ”جلد” الناس، لا لشيء إلا لبحث منصب مادي،وتسلق هياكل الحزب، أن يسموا ويرتقوا في النقاش، على حد تعبير “الضحية”، التي وجهت تحية امن سما، إن “الذين سموا على الاختلافات السياسية والايديولوجية والفكرية، فشجبوا بمبدئية ما حدث، يستحقون كل التنويه”.
وخلصت آمنة ماء العينين “نعم، أعترف أن شدة الاستهداف كانت قاسية جدا وأنا ألمس معاناة الأم والعائلة والقبيلة، ولو كان الأذى يلحقني وحدي لكان لي اختيار آخر وقد تعودت على شراسة الاستهداف ولا أخلاقيته، وبذلك أجدد تهنئتي للمنتشين بـ(الانتصار).”، وهنا نجدد أن للجميع أبناء ووالدين، وعائلة، وقبيلة، لذا ارتقي يا ماء العينين واستفيدي من الدرس، كما نتماه أن يكون درسا للجميع، نرقى بالسياسة، نقارع الأفكار، لا البحث في كواليس الحياة الشخصية ونتتبع أسرار الخصوم، وزلات أبنائهم.