انفلونزا الخنازير في المغرب.. الدول العربية ومخاطر الأوبئة!

بعد وفاة 16 ضحية في المغرب بانفلونزا الخنازير يعود نقاش قدرة البلدان العربية متوسطة الإمكانيات على مواجهة مثل هذه الأوبئة، فهل هذه الدول مؤهلة لمحاصرة الأوبئة؟ وما حقيقة التناول الإعلامي للموضوع بكثير من الهلع؟

نقاش كبير يشهده المغرب خلال الأيام الجارية بسبب فيروس H1N1 نوع A (يسمى كذلك إعلامياً بانفلونزا الخنازير) الذي حصد في بداية عام 2019، 16 حالة وفاة بالبلاد.

الحكومة المغربية تحاول من جهتها طمأنة الرأي العام بتأكيد أن الوضع تحت السيطرة، لكن مع كل علامات وباء جديد في المنطقة، تطرح أسئلة حول قدرة السلطات على تطويق الفيروس ومنعه من الانتشار، لا سيما مع استمرار الانتقادات الموجهة إلى البنيات الصحية في عدد من الدول العربية.

وتعرف اليمن بدورها هذه الأيام انتشاراً لوباء H1N1، كما شهدت الجزائر نقاشاً مماثلاً قبل أشهر عندما أعلنت عن وفاة شخصين بسبب الكوليرا من بين العشرات الذين أصيبوا به، وهو الوضع الذي أثار مخاوف في بلدان الجوار من انتشار الوباء.

الجدل ذاته تكرّر في مصر، عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة باسم “100 مليون صحة” لأجل القضاء على “فيروس سي” الكبدي الذي يصيب بشكل سنوي آلاف المصريين. ولا يقف التأثير عند البشر، فبسبب الفيروسات حيوانية المنشأ، تضطر بعض الدول إلى إعدام نسب كبيرة من الطيور والحيوانات، وتضطر أخرى إلى وقف استيرادها من دول معينة.

ضعف خدمات القطاع الصحي

نشرت وزارة الصحة المغربية بلاغاً مشتركاً مع مكتب منظمة الصحة العالمية بالرباط، جاءَ فيه أن الوضع لا يبعث على القلق، وأن نظام رصد الانفلونزا يؤكد غياب أيّ ارتفاع غير طبيعي لحالات الانفلونزا الموسمية في البلاد، لافتة أن فيروس H1N1 – A ينتشر في العالم منذ 2010 عند كل موسم للأنفلونزا. التطمين ذاته جاء على لسان وزارة الصحة الجزائرية عند انتشار الكوليرا، فقد أكدت حينها أنها ستقضي على الوباء في ظرف ثلاثة أيام.

إلّا أن الانتقادات التي توجهها بعض منظمات المجتمع المدني إلى طريقة تدبير السلطات للمجال الصحي تساهم في إذكاء النقاش حول قدرة وزارات الصحة وقفَ مثل هذه الأوبئة، ففي المغرب مثلا، قالت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، في يوليو 2017 إن الخدمات الصحية العلاجية تدهورت، وإن هناك استمراراً لتفشي الأمراض المزمنة والمعدية. بينما في الجزائر، أشارت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تقريرها لعام 2017، إن مجال الصحة يعرف سوءاً للتدبير، وإن الكثير من أدوية الأمراض المزمنة نادرة.

الدكتور جلال دحس رئيس مركز صحي في سوسة بتونس، يقول في تصريح لـDW عربية أن المشكل عموماً في بعض الدول العربية هو التفاوت بين الشمال والجنوب في الاستفادة من العلاج، فالمدن الكبرى تستفيد عموماً حسب قوله من وجود مراكز صحية كبيرة، بينما تعاني المدن الصغرى والقرى من غياب الإمكانيات، خاصة في مجال مواجهة الأوبئة، فضلاً عن أن غياب تعميم التغطية الصحية للمواطنين في كثير من دول المنطقة، يساهم في انتشار بعض الأوبئة، معطياً المثال بحمى التيفوئيد في صحراء ليبيا.

ومن جهته، الدكتور علاء العيساوي وهو طبيب نشيط عبر مواقع التواصل الاجتماعي في التوعية بمخاطر الوباء، يجيب عن سؤال البنيات الصحية، بالقول إن هذه الأخيرة تبقى بالنسبة لعدد من دول المنطقة، في مستوى متوسط من حيث التغطية وعدد الأسرة والإمكانيات البشرية، فضلاً عن صعوبة الوصول للمستشفيات بالنسبة للعديد من المواطنين المقيمين في مناطق بعيدة، وعدم مواكبة التجهيزات للتطور الحاصل في القطاع. ويستدرك العيساوي لـDW عربية أنه رغم ذلك، تبقى المراكز الصحية، في الدول العربية متوسطة الإمكانيات، قادرة على استيعاب والتكفل بالعديد من الحالات، و تحقيق إنجازات عديدة على المستوى العلمي، مقارنة بدول في إفريقيا جنوب الصحراء.

هل الدول قادرة على تطويق الظاهرة؟

بالعودة إلى خريطة انتشار وباء انفلونزا الخنازير على موقع منظمة الصحة العالمية، يظهر أن منطقة أوروبا والشرق الأوسط تشهدان عموماً انتشاراً أكبر لهذا الوباء من منطقة شمال إفريقيا، ما يؤكد أن خطر هذا الوباء لم يستثن حتى دولا لديها إمكانيات متطورة في المجال الصحي. دليل آخر على ذلك يعود إلى موجة 2009 من الوباء عندما شهدت القارتين الأمريكيتين وأوروبا أكبر نسبة من الوفيات حسب معطيات المنظمة ذاتها التي اعتمدت على ما تمّ إعلانه رسمياً.

لكن ماذا لو استمر هذا الفيروس في حصد الأرواح بالمغرب مثلا؟ يجيب جلال دحس أن المغرب وتونس، يبقيان عموماً أكثر تأهيلاً لمواجهة الأوبئة في منطقة شمال إفريقيا، بينما يبقى الخطر أكبر في دول أخرى بالمنطقة. ويشير دحس أن الخطوة التي يجب التركيز عليها حالياً هي المقاربة الوقائية بدل الاستمرار في التركيز على المقاربة العلاجية، أي أنه يجب على حكومات المنطقة تعزيز ميزانية الوقاية ووضع برامج خاصة للتحسيس، خاصة في ظل صعوبة تشييد مراكز صحية جامعية في كل المناطق.

من جانبه، يبرز علاء العيساوي، أنه لا يجب التوقف عند دور السلطات لأجل تطويق الأوبئة حتى وإن كان هذا الدور محوريا، إذ يجب “تظافر جهود الجميع، من مواطنين و هيئات مجتمع مدني وإعلاميين و أطر صحية”. ويشاطر العيساوي الرأي مع دحس في موضوع الوقاية، مضيفاً أن ما يجب الحرص عليه هو “التوعية الشاملة وطمأنة الرأي العام وتجنب خلق حالة الهلع التي ستؤدي إلى الفوضى واتجاه المواطنين للمستعجلات بدون سبب، ممّا سيخلق الاكتظاظ وسيمنع من التكفل بالحالات الحرجة والحقيقية”.

وعلى مدار التاريخ البشري، تكرّرت الأوبئة على الدوام، وكانت تعصف بحياة الملايين، خاصة منها موجات الطاعون، قبل أن يتمكن التطور الطبي من حصر الكثير منها وتقليل عدد ضحاياها. بيدَ أن هذا التطور لا تستفيد منه كلّ الدول، خاصة منها تلك التي تشهد نزاعات مسلحة، والمثال الأكبر قادم من اليمن، حيث شهد البلد، في ظرف حوالي 18 شهرا، 2515 حالة وفاة من أصل 1.2 مليون إصابة بالكوليرا حسب توقعات المنظمة العالمية للصحة. كما أن هناك اتهامات ترّوج في الإعلام بشكل دوري، حول عدم تبني سياسة المساواة في منح الدواء عبر العالم، لأسباب تدخل فيها أحياناً الحسابات السياسية.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة