لا يفصلنا على موعد المؤتمر الوطني الثامن للنقابة الوطنية للصحافة المغربية سوى أيام معدودة، وهي محطة مهمة في مسار الإعلام في وطننا لعدة اعتبارات يمكن أن نذكر من بينها:
أولا، الرهان الإستراتيجي، بمعنى أي نقابة نريد على مستوى فلسفتها التنظيمية ومدى انفتاحها على أجيال وطاقات جديدة والمساهمة في تجديد النخب وتحديث الآليات والوسائل، أو الاكتفاء بما هو كائن بالاعتماد على مساطر غير متجددة في عمومها الغرض منها التحكم في التنظيم أكثر منه شيئا آخر، كنموذج المقرر التنظيمي المقدم للمؤتمرين ولا تهدف بعض مواده سوى إلى عدم وصول الشباب إلى الهيآت الوطنية (سوف يتم التفصيل في هذه النقطة فيما بعد).
ثانيا، المؤتمر فرصة لفتح النقاش الواسع بين عموم الصحافيين حول قضايا المهنة وإشكالياتها والوضعية الاجتماعية لأبنائها وواقع حرية الصحافة وما يهددها، بمعنى مخرجات المؤتمر يجب أن تكون استباقية لما سوف يأتي وليس مجرد ردود أفعال على ما هو كائن من متغيرات أو وقائع.
ثالثا، المؤتمر هو فرصة لتقييم عمل النقابة وأجهزتها بين مؤتمرين والوقوف عند مكامن الخلل والتجاوب مع طموحات المهنيين من دون أحقاد أو حسابات شخصية ضيقة ومن دون اصطفافات مبنية على التجاذبات الحزبية (من الواضح أنني استعملت مصطلح حزبية وليس سياسية لأن الخلافات ذات العمق السياسي الفكري هي التي تبني التنظيميات).
رابعا، هذا المؤتمر يأتي على بعد سنة من انتخاب ممثلي الصحافيين في المجلس الوطني للصحافة، بعدما أبانوا على رغبة في التنظيم الذاتي لمهنتهم ودعم الإطارات التاريخية، ولكن أيضا صوتوا من أجل نقابة قوية ومنفتحة، وهو الأمر الذي كان التزاما واضحا من المرشحين الفائزين.
بناء على هذه النقط، ومن خلال تتبع دقيق للمسار الذي قطعته القيادة الوطنية في الإعداد لمؤتمر نقابتنا، يمكن الإدلاء بالملاحظات التالية:
أولا، شبه غياب للنقاش التنظيمي ذو البعد الاستراتيجي، الذي يهدف إلى بناء أداة نقابية قوية، وتعويضه بنقاش مسطري صرف لم يبرح حدود الدار البيضاء والرباط. وعوض مناقشة المراجعة الشاملة لقوانين النقابة، اختارت اللجنة التحضيرية أن تطرح بعض التعديلات التي لا تمس جوهر القانون الأساسي المعرقل لتجديد النخب وضخ دماء جديدة في النقابة، وكأن هناك تخوف مرضي من هذا الأمر، لم نفهم المغزى منه ولا الهدف من ورائه.
ثانيا، أغلبية نقاشات اللجنة التحضيرية حول أوراق المؤتمر انحصرت أساسا في لجنتين، لجنة اللوجيستيك والإعداد المادي وهي لجنة تقنية، ولجنة القوانين والأنظمة. الأخيرة عقدت ما مجموعه اثنان أو ثلاث اجتماعات ما بين الرباط والدار البيضاء وسط غياب أغلبية الصحافيين، لأنهم لم يتوصلوا بكل بساطة بدعوة للمشاركة في أشغال هذه اللجنة التحضيرية، وكأن هناك يد خفية تريد إقبار أي نوع من النقاش حول هذا المؤتمر وتمرير قانون على المقاس وقيادة على المقاس ومجلس وطني على المقاس.
ثالثا، عدم تنظيم أي لقاءات تواصلية أو ندوات موضوعاتية أو فكرية حول القضايا المرتبطة بالمؤتمر والمشار إليها أعلاه، باستثناء لقاء يتيم نظمه فرع الرباط مشكورا واستدعي إليه الصحافيون، وكانت هناك محاولة لإيقاف تنظيمه بحجة المساطر المفترى عليها والتي يتم اللجوء إليها كلما دعت الضرورة والتغاضي عليها كلما كان في ذلك مصلحة. دون أن ننسى ندوة تنظيمية (سرية) تم تنظيمها على هامش المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة بتاريخ 20 أبريل الماضي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، وسط غياب الصحافيين لأنه لم يتم استدعاؤهم بكل بساطة، والإصرار على تنظيم اللقاء “حسي مسي”.
رابعا، قطعت القيادة النقابية وعودا على الصحافيات والصحافيين واستثمرت في التواصل معهم خلال حملة انتخابات المجلس الوطني للصحافة، فلماذا لم يتم القيام بنفس العملية والتواصل مع الصحافيين عبر البريد الإلكتروني والرسائل النصية ومجموعات الواتساب، من أجل تشجيعهم على المشاركة في نقاش المؤتمر الوطني الثامن؟ هذا دون الحديث على عدم فتح المجال لهم تنظيميا من أجل المساهمة في النقاش داخل المؤتمر والترشيح للهيآت التنظيمية.
وكخلاصة فإن لحظة المؤتمر تشكل بالنسبة إلى الجميع قيادة وصحافيين، فرصة من أجل الإجابة على سؤال: أي نقابة نريد؟ نقابة منفتحة على محيطها وذات تنظيم قوي ويستقطب الطاقات من كل قطاعات الإعلام وقادرة على تقديم الإجابات الحقيقية لإشكاليات الإعلام وحرية الصحافة في بلادنا، أو نقابة تعقد مؤتمرها كل أربع سنوات وتجدد قيادتها وكفى المؤمنين شر القتال.
الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تتم في الاحترام التام لقيم الاختلاف بعيدا عن الاصطفافات الحزبية الضيقة أو الصراعات الشخصية غير المنتجة وحتى الصراعات بين الأجيال الفارغة المحتوى..