مهرجان كناوة وموسيقى العالم.. تظاهرة تكرس “الوجهة العالمية” لمدينة الصويرة

سمير لطفي

بترحاب وكرم وانفتاح على الجميع، تهتز مدينة الصويرة، مركز اللقاءات والحوار والتبادل بين الثقافات والحضارات، منذ الخميس المنصرم، على إيقاعات وأنغام كناوة والعالم الأكثر إبهارا، من خلال تظاهرة تكرس “الوجهة العالمية” للمدينة.

ففي أجواء احتفالية بهيجة، فتحت مدينة الصويرة، كالعادة، ذراعيها وقلبها مرحبة، بحماس وحسن ضيافة، بزوارها من المغاربة وأولئك القادمين من مختلف بقاع العالم، لقضاء أوقات لا تنسى من الفرح والاستمتاع.

وهكذا، شرعت الصويرة في استقبال ضيوفها منذ بداية الأسبوع، مما أحدث دينامية اقتصادية حقيقية وجاذبية سياحية رائعة، تتجلى مظاهرها في كورنيش المدينة وفضاءات المقاهي الممتلئة عن آخرها وفي مختلف الأماكن العمومية، منذ الساعات الأولى، من قبل حشود غفيرة حرصت على اكتشاف سحر هذه المدينة واستيعاب مدى انفتاحها على العالم.

هي لحظات لجمع الشمل والالتقاء بين الحضارات والأديان توفرها مدينة تؤمن وتجعل من الثقافة والفنون، منذ نحو ثلاثين سنة، “المحرك” لدينامية تنميتها المحلية، وتقدم بشكل فريد الصورة المتألقة لمغرب موحد وتعددي وغني بتنوعه.

وبعد أيام جميلة ومشمسة خصصت للاستجمام واكتشاف ميناء موكادور وأزقة المدينة العتيقة ومعالمها التاريخية والثقافية الأكثر شهرة، انطلقت الأمسيات الإيقاعية السحرية في جو منعش يحيط بالمدينة، والأصوات البعيدة لبعض النوارس وكذا هدير أمواج المحيط التي ترتطم بالساحل، مما يتيح اندماجا دقيقا مع الإيقاعات والأنغام التي أبدعتها “كنابر” و “قراقب” المعلمين الكناويين وغيرها من الآلات الموسيقية العصرية، مما يضفي على المدينة كل سحرها.

وبالنسبة إلى العديد من رواد المهرجان، تعد مدينة الصويرة، بطابعها المنفتح طوال السنة وليس فقط خلال فترات المهرجانات المتميزة التي تستضيفها، مصدرا كبيرا للفخر بالنسبة للمغرب.

كما أبرز هؤلاء أهمية مهرجان كناوة وموسيقى العالم التي اكتسبت على مر السنين ألقابها النبيلة وتمكنت من أن توحد من حولها عشاق الفن الكناوي الأصيل من جميع أنحاء العالم، الوافدين بكثرة لتكريم كل هؤلاء المعلمين الذين طبعوا هذا التراث بأعمالهم.

وهذا ما أكدته السيدة نائلة التازي، منتجة مهرجان كناوة وموسيقى العالم، التي اعتبرت أن “المهرجان يكشف عن ثراء الثقافة الشعبية ويؤكد من جديد تجذرنا الإفريقي من خلال ثقافة ذات جذور عميقة في إفريقيا جنوب الصحراء”.

وأضافت أن المهرجان يكشف أيضا عن وجه جديد للشباب المغربي، شباب حر ومبدع وتطوعي ومتعطش للفن والعالمية. وهو شباب سيستمر، سنة بعد سنة، في إظهار التزامه بهذا الموعد الثقافي الفريد وانخراطه من أجل حمل المشعل.

وبالنسبة للسيدة التازي، فإن المهرجان كشف كذلك عن تأثير الفن في مشروع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أنه مع مرور الوقت والدورات، أصبح الكناويون سفراء حقيقيين للمغرب، وهم يحلقون بعيدا كل سنة إلى وجهات مثل نيويورك وواشنطن ولوس أنجلس ولندن وباريس وبروكسل وبرلين وأبيدجان وأستراليا.

وأضافت “بمرور الوقت، أصبح مهرجان كناوة وموسيقى العالم بمثابة ملحمة تبناها ملايين المغاربة، وشكلت مصدر افتخار بالنسبة لهم”.

ومن خلال هذه التظاهرة، يطمح المغرب، المعتز بجذوره الإفريقية والأورو متوسطية الغنية بتراثها وثقافتها وتقاليدها، إلى جعل هذه المغامرة الإنسانية والفنية، التي أبدعتها ثلة من المعلمين الكناويين منذ فترة طويلة، بمثابة تكريس عالمي لثقافة ”تاكناويت” التي تجسد في ذاتها كل ما لا يتجزأ (فن قديم، حالة ذهنية، معرفة عريقة)، وما أصبح متوفرا الآن للبشرية جمعاء.

وبتنظيمها لهذا المهرجان، على غرار عدد من المواعيد السنوية الكبرى كمهرجان “الأندلسيات الأطلسية”، الذي تشرف عليه جمعية الصويرة موكادور، والوحيد في العالم الذي يجمع بين موسيقيين مسلمين ويهودا، جنبا إلى جنب وفي تعايش لا مثيل له، تكون الصويرة قد أوفت بكل وعودها، باعتبارة جزيرة للسلام والانفتاح والطمأنينة والعيش المشترك في عالم يتجه أكثر فأكثر نحو التصدع.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة