كما جرت العادة، فإن النهايات هي الأجمل دائما، اختتم مهرجان “موازين.. إيقاعات العالم”، أكثر المهرجانات الراسخة في تاريخ المغرب، نسخته الثامنة عشر، ليلة أمس السبت، وذلك ببرنامج غني يجمع بين التميز والإثارة والإيقاعات الجذابة والأحاسيس الرقيقة.
وقد كان جمهور موازين، الذي تم تصنيفه من بين أفضل المهرجانات الفنية في العالم، مساء أمس السبت، على موعد مع أبرز المواهب الموسيقية المتألقة، من قبيل “الفتى الجميل” مالوما، الذي استحوذ على قلب الجمهور بصوته الساحر على أنغام موسيقى الريغتون المفعمة بالحيوية، في حفل موسيقي وقعه الكولومبي الموشوم على منصة السويسي، بعد أداء مبهر وصاخب لكاورول جي.
وفي الوقت ذاته، وبعيدا عن الروح اللاتينية التي عايشتها منصة السويسي خلال أيام المهرجان، سمعت أصوات موسيقى الراب المتفردة من على منصة ضفاف أبي رقراق، والتي احتضنت مغني الراب الفرنسي الشاب المنحدر من أصل كونغولي، كوبا لاد، الذي أيقظ أحاسيس عشاق هذا اللون الغنائي وخلق جوا موسيقيا تعالت فيه الهتافات وتراقصت على أنغامه جنبات أبي رقراق.
وعلى الضفة المقابلة لأبي رقراق، تلألأت سماء شاطىء سلا تحت إيقاعات موسيقى الشعبي وموسيقى الراي المغربية، وما هي إلا أصوات الفنان البارز حميد المرضي وإيقاعات زينة الداودية، اللذين أمتعا جمهور المهرجان، بموسيقى شعبية راقصة.
وقد استقبلت منصة النهضة نجمين متألقين من الموسيقى العربية، حيث كانت بداية السهرة للصوت المعجزة، زينب أسامة، قبل أن يرفع الإماراتي صاحب الصوت الرنان حسين الجسمي من حرارة المكان في جو مفعم بالحركية والغناء.
وفي وقت سابق من ذات اليوم، كان لرواد مسرح محمد الخامس موعد مع الأغنية الطربية في حفل أداه المطرب المصري محمد محسن، الذي سافر بالحضور في جولة إلى أعماق الموسيقى العربية الشامخة، في الوقت الذي عاشت فيه منصة شالة الأثرية على إيقاعات موسيقى الفلامينكو الإسبانية في سمر مع لويس دي لا كاراسكا.
وإذا كانت هذه الحفلات الختامية ذات الأذواق المختلفة والأساليب الموسيقية قد أذهلت جميع رواد المهرجان، فهي في الواقع مجرد مرآة لأكثر من أسبوع من المتعة الفردية، مما يعكس تنوع التعبير الموسيقي الذي يفخر مهرجان موازين بتحقيقه.
وإذا كان اختتام سهرات ليالي منصة السويسي على إيقاعات الريغيتون، فإن افتتاحها خلال هذه الدورة كان على أنغام جي بالفين، وروساليا. كما أن هذه المنصة شهدت مرور فنانين آخرين من قبيل لارتيست وآيا ناكامورا ودادجو، الذي يعد من بين أكبر مغنيي البوب شهرة في الوقت الحالي، علاوة على الفرقة الأمريكية بلاك آيد بيس.
وكان الراب الأكثر حضورا على هذه المنصة، حيث كان الجمهور، الذي تألف معظمه من الشباب، قادرا على تذوق موسيقى الراب الفرنسي بفضل الثنائي بيغ فلو وأولي وأيضا أوريسلان، في حين أن هواة الراب الأمريكي كان لهم موعد مع فيوتر وترافيس سكون ومجموعة ميغوس، كما أن جماهير البلاتين لم تشعر بخيبة الأمل بفضل دي جي ديفيد غيتا العظيم والمارشميلو الأمريكي الشهير.
وبمنصة أبي رقراق، كما هي العادة، وضعت الموسيقى الإفريقية مرة أخرى في المقدمة، فإذا كانت فرقة BCUC الجنوب إفريقية قد نالت شرف الافتتاح، فإن الاختتام كان من توقيع المجموعة الكونغولية كوكوكو التي تمكنت من الحفاظ على الوتيرة بفضل طاقتها المتفجرة.
وعلى نفس المنصة، تمكنت مجموعة أمازون إفريقيا، المؤلفة من ثمانية مغنيات انخرطن في محاربة العنف ضد المرأة عن طريق الفن، من رسم معالم موسيقى إفريقية بهية، كما استطاع كل من كيري جيمس ويوسوفا من إشعال نيران الفرح والنشاط على منصة أمازون إفريقيا.
كما تمكنت فرقة دلغرس المكونة من ثلاثة موسيقيين، من أن تستكشف الجذور العميقة بحثا عن بلوز فريد و معبر، وعازف الساكسوفون الشهير من لوس أنجليس والرائد في أسلوب الجاز الجديد “نيو جاز” كامازي واشنطن، من تحقيق أفضل النجاحات بفضل توليفة مبهرة لأنغام تجمع بين الجاز، والفانك، والفري، والسول، والبلوز والروك، على منصة أبي رقراق.
وتميزت هذه الدورة، أيضا، بتقديم فن راقي ورائع على منصة النهضة بفضل الأصوات العربية الجميلة للفنانة اللبنانية كارول سماحة وعاصي الحلاني ومريام فارس، والثنائي المصري الشاب أوكا واي أورتيغا، وأيقونة الأغنية الفولكلورية المصري سعد الصغير والفائز في برنامج عرب أيدول الفلسطيني محمد عساف.
وبفضل مشاركة الفنانة اللبنانية إليسا والأردنية ديانا كرزون، والفنان المصري أبو، والفنانين اللبنانيين وليد توفيق، ورامي عياش ونجوى كرم، وجد عشاق الأغنية العربية سعادتهم أمام الأصوات والإيقاعات التي استضافتها هذه المنصة.
وعاش عشاق أصوات الشعبي والموسيقى المغربية، الذين اجتمعوا أمام منصة سلا وفقا لتقليد الطبعات السابقة من المهرجان، أجواء موسيقية ممتعة على إيقاعات مصطفى بوركون وعبد الله الداودي وزهرة الرباطية وإكرام العبدية ورابح ماريواري وسارة تيتريت، وعائشة تاشينويت، ورضا الطلياني والشاب يونس.
واستضافت منصة سلا أيضا صاحبة الصوت الذهبي، سعيدة شرف، التي أمتعت الحضور بصوتها المغربي الصحراوي الخاص، علاوة على حميد القصري الذي سافر بجمهور العدوتين في رحلة كناوية بامتياز، بالإضافة إلى رواد الأغنية المغربية من قبيل جبارة ومجموعة فناير وزهير بهاوي ومغني الراب لبنج وحاري وكذا منال.
وبمنصة شالة الأثرية، المخصصة للموسيقى العالمية، فقد كان لمهرجان هذه الدورة موعد مع عرض من الموسيقى الهندية مع فرقة كاوا جنيراسيون رمز الموسيقى الكلاسيكية الهندوستاني، وفرقة شي كويوخ التركية، التي تدمج ببراعة بين موسيقى الكليزمير والبلقان ومجموعات عرقية أخرى من مناطق مختلفة.
وفي المنصة ذاتها، كانت دعوة لاكتشاف التراث الموسيقي لأوروبا الشرقية من خلال عروض لفرقة مارسيلا ولوس مورشاليس برئاسة مارسيلا كيساروفا، التي تتقن فن موسيقى تزيغان السلوفاكية، ومجموعة دان غريبان تريو التي مزجت بين موسيقى الفري الجاز وموسيقى غليزمر بإيقاعات من البحر الأبيض المتوسط، من خلال أغاني وقصص غجرية وأرمنية ويونانية وروسية.
كما استمتع جمهور شالة الأثرية بموسيقى الفلامينكو العالمية مع الفنانة الغجرية ألبا مولينا، في حين أبهر الإيراني شاحروخ موشكينغ غالام، المخرج والممثل وراقص كاليغرافيا مستوحاة من الموسيقى الفارسية الكلاسيكية، والتي تجمع بين الشعر والأسطورة، عشاق هذ اللون الغنائي في حفلة رائعة بكل المقاييس.
وإذا كانت جميع المنصات المخصصة للمهرجان تقدم أطباقا موسيقية محددة، فإن مسرح محمد الخامس تميز، بدوره، بالعديد من الألوان الغنائية التي تم تقديمها ببراعة خلال الأيام التسعة.
ومن خلال مهرجان موازين، شهد المسرح أقوى اللحظات ووفى بجل وعوده للجمهور، آسرا إياهم بفضل السجلات الموسيقية المتنوعة انطلاقا من فرقة باليه فلامنكو دي أندلوسيا، المؤسسة الرمزية لفن الأندلس والسورية ميادة الحناوي، مرورا بفرقة مشروع ليلى ومغني الراب الفرنسي ذوي الصول الكونغولية عبد الملك، الذي يعتبر مرجعا في ما يتعلق بالأغنية الفرنسية وجوليان كليرك وسيستر سليدج وعازف القيتار الأمريكي ستانلي كلارك وسمير تومي وسناء مرحتي.
وإلى جانب هذه المنصات الغنية بأجواء موسيقية، لم ينسى مهرجان “موازين-إيقاعات العالم” إحياء نبض شوارع العاصمة لمدة تسعة أيام، حيث قدمت أقديم باتوكادا، التي يعزف شبانها على الآلات الموسيقية النقرية، وعروضا على إيقاعات السامبا والسالسا والهيب هوب والشعبي والهاوس، علاوة على فرقة السيرك أكرو ماروك التي تستوحي إستعراضاتها من الفولكلور المغربي، والتي قدمت عروضا مختلفة أنالت استحسان الجمهور.
وبفضل برمجة غنية اقترحها مهرجان “موازين.. إيقاعات العالم” خلال دورته الـ 18، جمعت بين كبار نجوم الموسيقى العالمية والعربية، أكدت أن الموسيقى هي التعبير الإنساني الأكثر عالمية، وهو تعبير يتيح تجاوز الحدود والاستمتاع بحفلات موسيقية تمكن من تقاسم تجربة فنية تتجاوز الانقسامات الثقافية.
وإذا كانت النهايات هي الأجمل دائما فلا بد لها من بدايات أخرى أجمل. فلتكن الدورة المقبلة لهذا المهرجان الفريد موعدا إذا !