في عالم تهيمن فيه الإنترنت وخدمات البث الرقمي مثل نتفليكس وأمازون على قطاع الترفيه، يجد المخرج البريطاني المخضرم تيري جيليام صعوبة في تقبل أن مشاهدة الأفلام باتت إلى حد بعيد، تجربة فردية.
ويقول المخرج البالغ من العمر (79 عاما)، الذي كرمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الحادية والأربعين بجائزة فاتن حمامة التقديرية عن مجمل أعماله، إن الأفلام تفقد جزءا من قيمتها إذا لم يشاهدها البشر معا.
وقال جيليام في مقابلة مع رويترز ”مشاهدة الأفلام تجربة جماعية بالأساس. لذا فعندما تشاهد فيلما وأنت تجلس وحدك على شاشة تلفاز، يفقد الفيلم جزءا كبيرا من قيمته. نتحول شيئا فشيئا إلى جزر منعزلة“.
وينتمي جيليام، الذي بدأ مسيرته الفنية بالعمل رساما كاريكاتوريا وانضم في وقت لاحق لفريق الكوميديا البريطاني الشهير (مونتي بايثون) قبل أن ينطلق في العمل الإخراجي منفردا، إلى جيل نشأ في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حين كان الراديو هو وسيلة الترفيه الأساسية بالنسبة لكثير من الأسر.
ويقول ”الراديو كان الأداة الأساسية التي شحذت خيالي. فأنت تسمع الأصوات والمؤثرات الصوتية لكن عقلك هو الذي يعمل لمنح هذه الأصوات شكلا بصريا. كان الراديو تدريبا جيدا لخيالي منذ الصغر“.
وإلى جانب الراديو، يقول جيليام إن قراءة قصص الأطفال والإنجيل لم يساعداه في فهم العالم فحسب بل ساعداه أيضا على صياغة رؤيته لهذا العالم في أفلامه.
ويقول ”ما يجمع بين كل هذه القصص هي البساطة. كانت هناك صراعات بالطبع لكن كان العالم أكثر وضوحا“.
انتقل جيليام في شبابه من الولايات المتحدة إلى بريطانيا ليبدأ عمله رساما للكاريكاتور. وعن التجربة يقول إنه لم يشعر قط بالاغتراب مع انتقاله من قارة لأخرى، بل على النقيض تماما ”أنا إنجليزي من رأسي إلى أخمص قدمي. كبرت وأنا استمع لبرنامج ذا جونز (برنامج إذاعي بريطاني كوميدي). لذا عندما انتقلت هناك كنت كمن عاد إلى موطنه الطبيعي. لم أجد نفسي قط في أمريكا..
”بريطانيا أورثتني تعاستها وربما بفضل ذلك صرت إنسانا أفضل“.
في بريطانيا ذاع صيت جيليام عندما أصبح عضوا في فريق الكوميديا الشهير مونتي بايثون. واشتهر جيليام على وجه الخصوص من خلال فقرات الرسوم المتحركة عبثية الطابع في برنامج ”سيرك مونتي بايثون الطائر“.
وعن هذه الفترة يقول جيليام ”كنا نجتمع معا كفريق لوضع أفكار الفقرات الفكاهية. أما الرسوم فكانت لي وحدي. لم يكن أي من أعضاء الفريق الآخرين يفهم ما أقوم به فكانوا يتركونني أرسم كما أشاء. كنت أتمتع بحرية إبداعية لا حدود لها“.
كان الطابع الغرائبي الذي ميز هذه الرسوم هو ما جسده جيليام في أفلامه بعد ذلك مثل ”برازيل“ و ”مغامرات البارون مونكاوزن“ (ذي أدفنتشرز أوف بارون مونكاوزن) و (جابرووكي) و ”12 قردا“ (12 مانكيز).
ويقول ”أردت أن أعيد خلق العالم لا أن أعيد نسخه. الواقع بالنسبة لي هو ما أصنعه لا ما أجده أمامي“.
لكن طريق جيليام لم يخل من العثرات. ففيلمه الأخير ”الرجل الذي قتل دون كيخوته“ ظل في مرحلة التحضير لمدة 30 عاما تقريبا، تغير فيها طاقم التمثيل أكثر من مرة وواجه خلالها جيليام مشاكل مع أحد منتجي الفيلم تتعلق بحقوق الملكية والتوزيع.
ويرى جيليام أن مشاق التجربة جزء حيوي من عملية صناعة الأفلام. ويقول ”إنها الرحلة. تحاول أن تتخيل العالم فتفشل ثم تحاول مرة أخرى“.
وفي عمله السينمائي، يقول جيليام إنه يفضل العمل بعيدا عن شركات الإنتاج الكبرى، حيث يكون بمنأى عمن يملي عليه ما يقوم به. ويقول ”شركات الإنتاج الكبرى تضخ الأموال في كل الاتجاهات، لكنها تضخ معها تعليمات وترسم مسارات. لا أحب أن أكون جزءا من ذلك“.
وربما لهذا السبب أيضا، يرفض جيليام إخضاع السينما لمعايير الصواب السياسي.
ويقول ”عندما تخشى من أن تقول شيئا ما أو تصدم شخصا ما فإنك تنصب لنفسك مصيدة ذهنية تجعلك في النهاية عاجزا عن التواصل. عندما لا نصبح قادرين على التمييز بين الدعابة والكراهية، فنحن هالكون“.