في زمن الاستعمار الفرنسي بالمغرب كان المعمرون يخلدون لحظات قوتهم، وزمن هيمنتهم على شعب مستضعف من خلال صور فوتوغرافية تحولت في وقت اخر الى بطاقات بريدية تظهر الرجل الفرنسي الأبيض رفقة “الأهالي” الذين يكونون في غالبية الوقت نساء عاريات مستضعفات كرمز لفحولة الرجل الاوروبي وقوة المهيمن على البلد الضعيف.
وكان المصورون يُمعِنون في تفاصيل الاستعباد والهيمنة من خلال التدقيق في جسد المرأة العاري وكل ما حولها من طقوس وتقاليد “ليزانديجان”.
وقد خصصت دار النشر الفرنسية “لاديكوفيرت” تحت إشراف المؤرخين باسكال برونشار وكريستال تارو وبمساهمة 97 باحثا من مختلف انحاء العالم دراسة مستفيضة للموضوع في كتاب صدر سنة 2018 تحت عنوان “الجنس والعِرق والمستعمرات”.
وعند مشاهدة الفيلم الطويل “آدم” للمخرجة مريم التوزاني، الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته ال21، تشعر بالإحساس نفسه، ويمنحك الانطباع ذاته: صورة يصنعها الرجل الأبيض المستعمر عن الأهالي.. لماذا؟
لأنه انجز بنفس المنطق، وبنفس المنظور .. حيث تمكن منذ سنوات زوج مريم التوزاني ومنتج فيلمها، نبيل عيوش، من وضع أسس مدرسة أو تيار انتهازي الهدف منه بناء هذه النظرة الكولونيالية الدونية نحو “ليزانديجان” من خلال المتاجرة في جراح المجتمع وعاهاته.
إن نظرة الهيمنة لازالت قائمة لكنها اتخذت منحى اخر، وأصبح مستعمر الأمس يحصل على الصور ذاتها للأهالي في القرن الواحد والعشرين، عبر حفنة مستلبين على رأسهم العراب نبيل عيوش، بمال الصناديق الأوربية المعروفة التي تضمن له المشاركة في مهرجان كان الفرنسي، ومهرجانات الأخرى ضمن فقرات ثانوية.
وكان النجاح التجاري الذي حققه عيوش مع كنال بلوس وغيرها من القنوات التلفزيونية، والنجاح المعنوي بمشاركته في مهرجانات عالمية سببا مباشرا لبروز أبناء غير شرعيين وتلاميذ نجباء على رأسهم هشام العسري ومريم بن مبارك والوافد الجديد علاء الدين الجم.
ليس من العيب أن تتطرق السينما لمشاكل المجتمع وطابوهاته، بل يدخل هذا في صميم وكنه وجودها، لكن المقاربة والنظرة تختلف بين من يصور فيلما، ومن يصور للآخر فيلما، بين من يبدع فيلما سينمائيا، وبين من ينجز خطة تسويقية لبيع بضاعته في أسواق المهرجانات… هنا يكمن الاختلاف الذي نسميه : الصدق .. الصدق في التعامل مع المتلقي الذي “تفرجه” في فيلم دون أن “تفرج فيه” عباد الله.
ولا بأس هنا أن نستحضر اسما تعامل مع مواضيع اجتماعية حساسة لكن بصدق يجعله في منأى عن شبهات “المدرسة العيوشية الكولونيالية” هو فوزي بنسعيدي.
وبالرغم من كون “آدم” أول فيلم لمخرجة امرأة فإن صانعه رجل الأبيض أوربي متعالي ينظر إلينا من برجه العالي .. نحن الأهالي المُضطهِدون للمرأة وكل الكليشيهات إياها التي تغذي نظرته وحنينه للماضي الاستعماري، وحيث الصور التي تنقلها أفلام عيوش ومن معه في القرن الواحد والعشرين تطمئنه وتمنحه الشرعية الماضية والحاضرة والمستقبلية في استهداف “الأهالي” ونشر الانوار في مجتمعات الظلام .. كما كان يروج لذلك اليسار الفرنسي في بداية الاستعمار باسم حقوق الانسان وكونية مثل الحرية.
ولأن الأحاسيس لا تكذب، لم تتمكن التوزاني من منح مشاعر صادقة للمتلقي بل كانت المشاهد مزيفة fake ، خصوصا مع ممثلة أجنبية في دور سيدة مغربية من المدينة القديمة، لا تتقن الحديث بالدارجة، وبقيت على مدى 100 دقيقة من عمر الفيلم تكرر المشاهد المملة التي تروم استجداء المشاعر والتعاطف.
هي عملية استجداء كبيرة إذن، حتى لا نقول فهلوة وماركوتينغ، تبدأ باستجداء أموال الصناديق وتنتهي باستجداء الاحاسيس في القاعات المظلمة .. أفلام صنعت في المغرب، استغلت قضايا المغرب، وأموال المغرب لكنها غير موجهة للمغاربة .. لأنها لا تصدُقُهم أو تخلص لهم وعلى رأي الكاتب السويسري فيكتور شاربيلييه : (في السينما كما في الحياة) الصدق أخ شقيق للحب .. فهل يمكن أن نكذب على من نحب؟
جمال الخنوسي