بعيدا عن أن تكون مجرد ترف يزين البيوت والمحلات، تحتل منتجات الصناعة التقليدية مكانة متميزة في الثقافة المشتركة بين جميع المغاربة، القائمة على تثمين كل منتج أصيل يعكس تفرد وعبقرية الصانع التقليدي.
وبعد أن ألزمت ظروف جائحة فيروس كورونا المستجد الصناع التقليديين على إغلاق محلاتهم، في سياق حالة الطوارئ الصحية، تعاود أنشطة الصناعة التقليدية، من خياطة الألبسة ومحلات الخزف والجلد وغيرها من فروع هذه الصناعة ، وتيرتها بشكل بطيء لكن بثبات، لتستعيد من جديد تألقها وتجدد اللقاء بزبناء تحتل لديهم مكانة خاصة.
فسواء تعلق الأمر بمنتجات خاصة بالاستخدام داخل المنازل أو المحلات التجارية أو قطاعي الفندقة والمطعمة، أو بأدوات عملية من قبيل أدوات الطبخ أو الألبسة أو تحف الديكور، تظل منتجات الصناعة التقليدية حاضرة في مختلف أوجه النشاط اليومي وتترك بصمة خاصة لدى الزبناء المغاربة والأجانب على حد سواء.
وعلى غرار عديد من قطاعات النشاط الاقتصادي التي طالتها جائحة (كوفيد 19)، شهد قطاع الصناعة التقليدية تباطؤ وتيرته، مع توقف شبه كامل للنشاط المهني. غير أن الحياة بدأت تدب تدريجيا في أوصال القطاع، إذ استفاد ، كما هو الشأن بالنسبة لباقي الأنشطة الصناعية والتجارية ، من الإجراءات التي اتخذتها السلطات، بالسماح للقطاعات الإنتاجية والخدماتية بمزاولة أنشطتها ابتداء من 11 يونيو الجاري، مع الحرص على احترام جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية المقررة في هذا الصدد، وذلك بهدف تحريك دواليب عجلة الاقتصاد الوطني.
هو الحال بالنسبة لمونية، صاحبة محل للألبسة التقليدية بحي الوفاق (تمارة)، التي استبشرت خيرا بقرار الاستئناف التدريجي للأنشطة الاقتصادية في ظل تدابير تخفيف الحجر الصحي، لتستعيد واجهة محلها ألقها وتتزين بألبسة تقليدية حاكتها أنامل صناع تقليديين تثير إعجاب المارة والزبناء الشغوفين بالألبسة التقليدية.
“شرعنا في العمل بشكل محتشم، لكن الأهم أننا شرعنا في مزاولة النشاط”، توضح مونية في تصريح استقته وكالة المغرب العربي للأنباء، مضيفة أنها استأنفت العمل مطلع الأسبوع الجاري بشكل تدريجي، في انتظار استئناف الحركية المعهودة التي يشهدها المحل.
وأشارت إلى التوقف الكلي للأنشطة التي كانت تزاولها ، يوم 17 مارس الماضي ، تزامنا مع فترة الحجر الصحي، إذ توقف عمل الصناع التقليديين فضلا عن غياب الزبناء، مردفة بالقول “كانت لدينا طلبيات قبل فرض حالة الطوارئ، وبالتالي اضطررنا إلى تسليمها للزبناء عبر خدمة الإرساليات”.
وعن الاستئناف التدريجي للنشاط الذي تزاوله، قالت صاحبة المحل “الحمد لله، الزبناء عادوا لزيارة المحل، خاصة الذين كانوا يودون اقتناء جلابيب أو قفاطين تقليدية خلال شهر رمضان الكريم” وأيضا الراغبين في اكتشاف جديد الأقمشة والأزياء التقليدية التي تحظى بإقبال كبير، موضحة أن الزبناء يتوزعون بين من اقتنوا فعلا بعض السلع، وبين من يطرحون الأسئلة حول إمكانية تقديم طلبيات للمحل، خاصة مع اقتراب حلول عيد الأضحى.
وامتثالا للتدابير والإجراءات الاحترازية التي يتطلبها استئناف أي نشاط تجاري أو صناعي، فإن مونية تحرص على التطبيق السليم لكافة الإجراءات، عبر توفير محلول معقم داخل فضاء المحل، وممسحة للأرجل معقمة في مدخله، لتمكين الزبناء والعاملين (الاقتصار على عاملين) من استخدامه، فضلا عن الحرص على ارتداء الكمامة بالنسبة للجميع.
كما أنه يتم تعقيم الألبسة التي قام الزبناء بارتدائها فور مغادرتهم، فضلا عن الأماكن التي تنقلوا فيها، وذلك حرصا على توفير كافة شروط السلامة الضرورية في هذه الظرفية الاستثنائية التي تتطلب تضافر جهود الجميع من أجل إنجاح رهان الأمان الصحي مع استئناف العمل.
وتؤكد أن الزبناء، الذين لا يتجاوز عددهم اثنين في الآن نفسه داخل المحل، رغم كبر مساحته يرتدون الأقنعة الواقية، كما أنهم يلتزمون بمسافة الأمان التي لا تقل عن متر ونصف.
ولاحظت صاحبة المحل، أن هناك وعيا كبيرا لدى الزبناء بإجراءات السلامة والوقاية من العدوى، حيث يحرصون على الإبقاء على الكمامة الواقية لدى ولوج المحل، ويستخدمون المحلول المعقم بشكل تلقائي، موضحة أن الجميع يأخذ الاحتياطات الكافية للتسوق بأمان.
فمع التخفيف التدريجي للحجر الصحي، تظل شروط السلامة والوقاية عاملا حاسما في حسن استئناف أنشطة مختلف مهن الصناعة التقليدية، وضمان تحريك دواليب عجلة النشاط التجاري دون الإخلال بتدابير الوقاية من انتشار عدوى فيروس (كوفيد-19).
وحسب التوصيات التي قدمتها غرفة الصناعة التقليدية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة مؤخرا، لفائدة جميع فئات الصناع التقليديين، في إطار مواكبة التخفيف التدريجي للحجر الصحي واستئناف النشاط الاقتصادي لمهن الصناعة التقليدية، يتعين ، على الخصوص، إحداث فضاءات مخصصة لاستقبال الزبناء وموردي المواد الأولية، فضلا عن تهوية فضاءات العمل بشكل مستمر وتعقيمها.
وتتضمن هذه التدابير كذلك احترام التباعد الجسدي وارتداء الكمامات وغسل اليدين بشكل متكرر، مع تفادي الاحتكاك المباشر بالزبناء والموردين.
وكانت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي نادية فتاح العلوي قد أكدت ، مؤخرا في جلسة بمجلس النواب ، أن الجائحة أظهرت الحاجة لتسريع هيكلة قطاع الصناعة التقليدية، بغية تطويره وتحسين ظروف عمل الصناع التقليديين.
وركزت خطة عمل الوزارة الرامية إلى توفير أحسن الظروف لإعادة انطلاقة أنشطة الصناعة التقليدية ، تضيف الوزيرة ، على ثلاثة محاور تشمل برنامج الصحة والسلامة لاستئناف الأنشطة، وهيكلة القطاع، ومواكبة الحرفيين خصوصا في جوانب الإنتاج والتسويق والتمويل، مؤكدة أن الوزارة عبأت مصالحها المركزية والترابية من أجل مواكبة الصناع التقليديين، في عملية الاستفادة من الإجراءات التي اتخذتها البلاد في إطار لجنة اليقظة الاقتصادية.