تشير مصادر استخباراتية ودراسة أجريت حديثاً إلى محاولة روسيا زعزعة استقرار الديمقراطيات الغربية والاتحاد الأوروبي من خلال ترويج مستهدف لأخبار زائفة حول فيروس كورونا.
أهلاً بكم في عالم الأخبار الزائفة حول فيروس كورونا المستجد، حيث يُعد الفيروس في ذلك العالم نوعاً من الإرهاب الحيوي، الذي افتعله الناتو لمحاربة روسيا.
وفيه أيضا أخبار أخرى من هذا القبيل، ومنها أن وقف انتشار فيروس كورونا في إيطاليا لا يتحقق إلا بمساعدة روسيا، وأن أول لقاح متاح منذ مدة ضد فيروس كورونا هو لقاح روسي وأن غسل اليدين هي عملية عديمة الفائدة في الوقاية من الوباء، وأن كوفيدـ19 هو موجة إنفلونزا عادية، وأنه خلف جميع هذه الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة تكمن خطط بيل غيتس للسيطرة على العالم.
في أعقاب الخوف من وباء كورونا، انتشر وباء من نوع آخر يمكن تعرفيه بـ “وباء التضليل الإعلامي”. منذ اكتشاف الفيروس التاجي الجديد “سارس كوف-2” (SARS-CoV-2)، انتشرت نظريات المؤامرة والتقارير الكاذبة والشائعات بشكل واسع.
وبنفس تأثير الفيروس الحقيقي، يؤثر “وباء التضليل الإعلامي” على البشر ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة أيضاً. لكن مؤخراً بدأ يتضح الحجم الحقيقي لهذا الوباء الذي يتغذى على أنصاف الحقائق والأكاذيب، وبات الكشف عن هوية الجهات التي تقف خلف انتشاره ممكناً.
“الهدف هو إضعاف الاتحاد الأوروبي”
منذ تفشي الفيروس، اشتد الصراع حول الانفراد بالتأثير والهيمنة على المنصات الرقمية. بيتر ستان، المتحدث باسم خدمات العمل الخارجي الأوروبي قال في مقابلة مع DW “إن الوباء هو أرض خصبة للتضليل الإعلامي”. وأضاف: “الهدف هو تقويض وإضعاف الاتحاد الأوروبي”.
ستانو هو مسؤول قسم الكشف عن التضليل الإعلامي والتهديد الرقمي. ومنذ أن وصل الفيروس إلى أوروبا سجل فريقه أكثر من 600 حالة تضليل حول فيروس كورونا في قاعدة بيانات “EUvsDisinfo” في صلة بأوروبا وحدها.
وتتنوع أشكال المعلومات الرقمية المضللة، فمنها ما يهدف إلى زرع انعدام الثقة في النظم الصحية وتصوير صانعي القرار السياسي في صورة مؤسسات ديمقراطية ضعيفة وأوروبا في صورة اتحاد مفكك.
في بعض الأحيان تستخدم البيانات والحقائق خارج سياقها الأصلي ووضعها ضمن سياق آخر، أو نقل أكاذيب خرقاء. كلا الخيارين لديه القدرة على بث الشكوك وحتى تعريض حياة الإنسان للخطر.
انتشار واسع للأخبار المزيفة
عقب انتشار تقاريركاذبة تحدثت عن علاقة شبكات الجيل الخامس للاتصالات بظهور كوفيدـ19، تعرضت شبكات الهاتف الخلوي للتخريب في كل من بلجيكا وبريطانيا وهولندا. ويقول ستانو: “في حالة التشكيك في قواعد النظافة مثل غسل اليدين أومسافة الأمان، يمكن أن تكون مثل هذه الرسائل مميتة”.
يرى ستانو أن منطقة البلقان إحدى المناطق المتضررة ويعتقد أن الفاعلين في الدعاية الروسية يحاولون هناك خلق حالة من عدم اليقين ومنع الانضمام المقرر للاتحاد الأوروبي. لا توجد أدلة واضحة على مدى فعالية طرق الدعاية، ولكن هناك بعض المؤشرات. في دراسة حديثة، تمكن باحثون من جامعة أكسفورد من الكشف عن دور كبير للقنوات الحكومية ووسائل الإعلام الروسية.
الدراسة أظهرت أن المقالات المنتشرة عن فيروس كورونا باللغة الفرنسية والألمانية والإسبانية حظيت بمتوسط معدل تفاعل أعلى من المقالات في وسائل الإعلام الوطنية الرائدة مثل “Le Monde” و “Der Spiegel” و “El País.”
ومن جهته يقول الباحث الألماني كريستيان شفيتر، الذي فحص 35.856 مقالاً بثلاث لغات مع زملائه: “وسائل الإعلام مثل روسيا اليوم (RT) تتناول بشكل كبير الاحتجاجات الاجتماعية والقضايا المثيرة. التغطية الصحفية المخاطبة للعواطف،تثير المزيد من ردود الفعل على الشبكات الاجتماعية”.
جهات مجهولة
وفقًا للباحثين من أكسفورد، فإن وسائل الإعلام الحكومية الروسية تبث تقارير مكثفة بشكل خاص حول الاحتجاجات المناهضة لفيروس كورونا ونظريات المؤامرة. في حين تؤكد وسائل الإعلام الحكومية الصينية والتركية مزاعم بان بلديهما تتعامل بشكل مثالي إعلاميا في تناول الوباء. كما أظهر البحث أيضاً أن قناة HispanTV ، وهي القناة الناطقة باللغة الإسبانية التابعة للتلفزيون الحكومي الإيراني “IRIB”، قد استخدمت الوباء من أجل توسيع انتشار الأصوات الناقدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي المقابل هناك أيضاً هجمات من جهات غير معروفة أو لا يمكن التعرف عليها بسهولة.على سبيل المثال تقوم المواقع الإخبارية مثل InfoRos و InfoBrics.org و OneWorld.Press بنشر معلومات حول الفيروس التاجي، تستقي مصادرها من المخابرات العسكرية الروسية GRU، بحسب ما يقول مسؤولون حكوميون أمريكيون،
من جهتها تحدثت تقارير من صحيفة نيويورك تايمز ووكالة اسوشيتد برس للأنباء بالاستناد إلى معلومات من أوساط المخابرات الأمريكية عن أن عملية انتشار المعلومات الكاذبة على هذه المنصات يقف خلفها شخصان يفترض أنهما على صلة بالمخابرات العسكرية الروسية. الأمر الذي من شأنه خلق ارتباك قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في نونبر. واعتبرت التقارير هذا الأمر تطوراً آخر للدعاية الروسية التي تم استخدامها في الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2016.
صرف الانتباه عن الوباء
في روسيا غالباً ما تتم مقابلة هذه التقارير بالتجاهل. “حصة أخرى من الأخبار الزائفة من نيويورك تايمز” ، بهذه الجملة علق المذيع في التلفزيون الحكومي الروسي على التقارير الأمريكية حول تورط روسيا في نشر الأخبار الزائفة. أندريه إليغاشينكو، رئيس تحرير InfoRos، انتقد التقارير التي تحدثت عن التدخل الروسي في الحملة الانتخابية الأمريكية وقال إنها استخدمت في سياق زائف. كما أنه لم يقدم دليلا على تورط كل من دنيس تيوغين و أندريه إليغاشينك التابعين للمخابرات العسكرية الروسية، وفق تعليق التلفزيون الحكومي الروسي الذي اعتبر أنها مجرد محاولة لصرف الانتباه عن مشاكل وباء كوفيدـ 19.
من جهة أخرى يشكك خبراء روس، يعتبرون مستقلين، في صحة التقارير الأخيرة حول حول نشر روسيا للأخبار المزيفة. وقال إيفان ساسورسكيج في مقابلة مع DW “هل شاركت جهات عسكرية في حملات تضليل استراتيجي حول فيروس كورونا؟ لا أعتقد ذلك”.
ساسورسكيج هو رئيس قسم نظريات الإعلام والاتصال الجديدة في جامعة لومونوسوف في موسكو. ويرى أن المعلومات الاستخباراتية التي يتم إصدارها لا تعني بشكل تلقائي أنها من مصدر موثوق به. وأضاف ساسورسكيج: “لا يمكن أن نفسر كل حدث بأن لموسكو يدا فيه”. ويتابع بأن هناك كلاما كثيرا عن تأثير روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكنه نادراً ما يستند إلى معلومات مؤكدة. ويتوقع أن تؤدي الحملة الانتخابية الأمريكية “إلى ظهور المزيد من الأخبار الزائفة”.
الرغبة في الانتقام
تختلف الدعاية الروسية الحالية اختلافاً جوهرياً عن الأسلوب السوفييتي القديم: “بدل ترويج الإيمان بالتقدم الشيوعي، تحاول حملات التضليل اليوم تقويض الثقة في الحل العقلاني للمشاكل” ، كما يقول المحلل الإعلامي الروسي أندريه أرخانغيلسكيغ، الذي يعتقد أن “هذه ليست مجرد محاولة لتشويه سمعة الديمقراطيات” ، بل رغبة لدى الكرملين في “الانتقام من الديموقراطيات بسبب فشل المشروع السوفييتي”. وأضاف أن المرء يمكنه إيجاد تفسير للكثير من الأخبار الزائفة لو فكر في هذا الدافع.
الخبير بيتر ستانو مقتنع بأن حرب العقول لا يمكن كسبها إلا من خلال جهد جماعي. ويقول: “المجتمع المدني يواجه تحديات وعلينا جميعاً أن نبذل المزيد من الجهود”. ويؤكد أن “إحدى طرق مكافحة انتشار المعلومات المضللة هي زيادة محو الأمية الإعلامية بين المواطنين والتشكيك النقدي في مصادر الإنترنت”.