صعوبات التعلم.. أطفال بين ثالوث الأسرة والمدرسة والمجتمع

مع اعتماد نمط التعليم عن بعد خلال جائحة فيروس كورنا المستجد، طفا من جديد النقاش حول الصعوبات التي تواجهها فئات من الأطفال وجدت عناء كبيرا في التكيف مع هذا النمط، بسبب الاضطرابات النفسية والسلوكية والتعلمية التي يعانون منها.

ومن هؤلاء الأطفال الذين لديهم اضطراب صعوبة التعلم، الذي تعرفه الجمعية الكندية لصعوبة التعلم بكونه عبارة عن مجموعة من الاختلالات الوظيفية، التي يمكن أن تمس امتلاك وتعلم واستيعاب وفهم ومعالجة المعلومة اللفظية وغير اللفظية.

وهذه الاختلالات، التي تعوق قدرة الطفل على استيعاب ما يراه وما يسمعه، والتي غالبا ما يتم تشخيصها في سياق البحث عن أسباب الفشل الدراسي المتكرر، تشمل اللغة اللفظية (التلقي والتعبير)، واللغة المكتوبة، والقراءة (التعرف على الكلمات وفهمها)، والكتابة (الإملاء، التعبير الكتابي)، والرياضيات (الحساب، التفكير المنطقي، وحل المسائل الرياضية).

وبهذا الخصوص، أوضحت المدربة المعتمدة في التنمية والمهتمة بمجال التربية والتعليم منى الصباحي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء حول “الأطفال الذين يعانون من صعوبة التعلم ونمط التعليم عن بعد”، أن صعوبات التعلم تظهر على الأطفال من سن ست سنوات فما فوق، وما دون هذه العمر يستحيل الحديث عنها، إذ خلال مرحلة ما قبل ست سنوات يكون الطفل في مرحلة النمو الحركي، ما يسمى بـ (psychomotricité fine)، أي بداية تعلم تقنيات الكتابة والقراءة والتركيز.

غير أنه من الملاحظ، تضيف هذه المدربة، أن الآباء عندما يلحقون أبناءهم بالحضانات أو بالمدارس في سن ثلاث أو أربع سنوات يكون أفق انتظارهم كبيرا، ويتوقعون من أبنائهم الصغار أن يجيدوا في كل ما يطلب منهم من كتابة وقراءة وحساب، وفي حال لم يرق الطفل إلى مستوى توقع الأسرة، يتم نعته بالكسل أو الخمول، أو أنه مصاب بأحد الاضطرابات كفرط الحركة والتوحد.

مع أنه في الوقت الذي يوجد فيه أطفال بإمكانهم التأقلم مع محيطهم الدراسي، هناك أطفال آخرون ليست لهم القدرات نفسها، تستطر المتحدثة ذاتها، وهو ما لا يريد مجموعة من الآباء أن يقتنعوا به ويسارعون إلى إطلاق الأحكام على أبنائهم، قائلا “إن ابني يعاني من فرط الحركة” أو “ابني مصاب بالتوحد”، مع أن فرط الحركة والتوحد هي اضطرابات تستدعي التشخيص من قبل متخصصين في المجال.

وتؤكد الصباحي، في هذا الاتجاه، أن مستويات الذكاء عند الأطفال متفاوتة، وطريقة تفاعلهم وتواصلهم مع المحيط متباينة، ومن الطبيعي أن يكون هناك أطفال حركيون أكثر من أقرانهم، أو وتيرة تعلمهم أدنى من الآخرين، دون أن يعني ذلك أنهم مصابون باضطراب فرط الحركة أو التوحد.

وتشدد على أن المتخصص هو المخول الوحيد للقيام بالتشخيص وتحديد طبيعة الصعوبة لدى الطفل ونوعها، فلا يمكن الحكم على أي طفل يجد صعوبة في الكتابة أو القراءة أو يتعلم بوتيرة أبطأ من زملائه، أو يعاني مشكلا ما على مستوى التركيز والتواصل والتفاعل مع المعلم، بأن لديه اضطراب صعوبة التعلم، مشيرة إلى أن صعوبات التعلم (TA) تختلف عن الاضطرابات المتمثلة في ضعف القدرة على التركيز أو فرط الحركة (TDAH).

وهو ما تؤكد عليه الجمعية الكندية لصعوبات التعلم، والتي تلح على أن يتم تشخيص هذه الاضطرابات في وقت مبكر، عبر جلسات منتظمة للتقييم من قبل مختصين، لمساعدة الطفل على تجاوزها، بتعاون بين الآباء.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة