تحولت مواقع التواصل الإجتماعي، في الوقت الحاضر، إلى أحد أهم مصادر المعلومة في شتى المجالات، واستطاعت في المجال الطبي أن تساهم، بشكل أو بآخر، في توفير المعلومات والنصائح لمساعدة المرضى في فهم مرضهم وتجاوز معاناتهم، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالأمراض المزمنة من قبيل داء السكري، لكن شريطة أن تصدر هذه المعلومات عن ذوي الاختصاص.
فبقدر الأهمية التي تكتسيها هذه المواقع في توعية المرضى ومواكبتهم، بقدر ما تشكل خطرا محدقا بصحتهم، خاصة إذا لم يتحققوا من المصدر ودقة المعلومة والنصيحة؛ وذلك بالنظر إلى الفوضى العارمة التي تطغى على هذا الفضاء؛ فالكل يرغب في الحديث عن تجربته “الناجحة” للشفاء من مرض ما، أو الاستفادة من علاج ما، دونما الوعي بأن التطفل على المجال الطبي، وتوجيه مثل هذه النصائح قد تؤدي إلى نتائج كارثية على صحة المريض، بل وقد تودي بحياته.
وفي هذا الصدد، يؤكد طبيب الصحة العامة المختص في الفيروسات والبكتيريا والأمراض المعدية، السيد إدريس هدان، أن ما توفره مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات وطرق علاج داء السكري قد يتسبب للمصابين بالداء في مضاعفات صحية خطيرة، قد تصل حد الإنعاش، وذلك بالنظر للأخطار التي يتعرض لها المرضى جراء تناولهم وصفات غير طبية تتكون في معظمها من أعشاب طبيعية.
وأوضح هدان، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري، الذي يصادف يوم 14 نونبر من كل سنة، أن التوعية الصحية، التي تمارس بشكل صحيح من قبل الأطباء وعلماء التغذية عبر هذه المواقع، تساهم، بشكل فعال، في الوقاية والعلاج من المرض، لكن عندما تمارس من طرف أشخاص غير مختصين فإن ذلك يصنف في إطار “الشعوذة” و”التضليل”، الذي قد تكون له مضاعفات خطيرة على صحة المرضى.
وفي سياق متصل، لاحظ هدان أن بعض المتخصصين في التغذية عندما يتحدثون في مجال اختصاصهم يكونون أكثر إفادة في توجيه المرضى نحو الأغذية الصحية التي تساعدهم على ضبط نسبة السكر في الدم، وتفادي الأزمات المرتبط بهذا الداء المعقد، “لكن عندما يخوضون في تشخيص الأمراض وطرق علاجها، فإنهم يتيهون وقد يخطئون، دون وعي منهم، بل وقد يعرضون المرضى لمضاعفات خطيرة”.
وفي هذا الصدد، أكد المتخصص في الطب العام على ضرورة أن يتحقق رواد مواقع التواصل الاجتماعي من مدى صحة الفيديوهات المتعلقة بالتوعية الصحية، ولاسيما التكوين العلمي لأصحابها، وإدراك خطورة تجريب وصفات “ن جحت” عند مرضى آخرين.
وبخصوص داء السكري ومخاطر الإصابة بعدوى “كورونا”، سجل طبيب الصحة العامة أن الكثير من المصابين بالداء عانوا، خلال هذه السنة، من تداعيات الجائحة، فارتفاع نسبة السكر في الدم يشكل بيئة ملائمة لنشاط الفيروس، موضحا أن السكري داء يزيد من الالتهابات ويضعف جهاز المناعة، وبالتالي فإنه من الصعب على المصابين الصمود أمام الفيروس.
وأضاف أن الدراسات والأبحاث العلمية أثبتت أن فترة العدوى والشفاء لدى مرضى السكري المصابين ب”كوفيد 19” قد تطول مقارنة بغيرهم، مبرزا أن خبراء الصحة العالمية أكدوا أن مرضى السكري الذين يعانون من ارتفاع مستويات السكر في الدم (أكثر من 180مج/دل) ومن مضاعفات أخرى كتصلب شرايين القلب والسمنة وارتفاع ضغط الدم والقصور الكلي، هم أكثر عرضة للخطر عند الإصابة بفيروس “كورونا”، وهم الأكثر عددا في الحالات الحرجة، ويشكلون ضعف نسبة الوفيات.
وأشار إلى أن الأبحاث الجديدة بينت أن فيروس كورونا يمكن أن يسبب الإصابة بمرض السكري ، حيث أن بروتين “ACE-2” المستقبل للفيروس موجود، أيضا، في الأعضاء التي تدير تحليل الغلوكوز، بما في ذلك البانكرياس والكبد والأمعاء الدقيقة والكلي، حيث يمكن أن يؤخر بشدة معالجة ارتفاع نسبة السكر في الدم.
ولتفادي كل هذه المخاطر، ينصح هدان مرضى السكري بضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية للوقاية من الفيروس، معبرا عن أسفه لكون العديد من هؤلاء المرضى غير واعين بهذه المخاطر، ولا يلتزمون بهذه التدابير بشكل دقيق.
وسجل أن آخر الأبحاث في المملكة المتحدة تشير إلى أنه يتم تجربة عقار جديد مثبط للمناعة، يمكنه تقديم المساعدة للتغلب على آثار فيروس “كورونا” الذي يصيب مرضى السكري.
وخلص البحث ما قبل السريري، يوضح هدان، إلى أن منشط الجلوكوز كيناز (AZD1656) يقوم بتثبيط الاستجابة المفرطة للجهاز المناعي التي تكون حادة لدى المرضى الذين يعانون من ارتفاع مستويات السكر في الدم، مضيفا أن هذا العقار سيكون ذا أهمية كبيرة للمصابين بداء السكري الذين يعانون من الأعراض المبكرة لفيروس (كوفيد19).
وبخصوص داء السكري على المستوى الوطني، سجل هدان أن المسح الوطني لعوامل الاختطار للامراض غير السارية (STEPWISE) لسنة 2018 بالمغرب أظهر أن 10,6 بالمائة من المغاربة الذين يفوق سنهم 18 سنة مصابون بمرض السكري أي حوالي مليونين ونصف، وتمثل النساء خمسين في المئة من إجمالي المصابين.
واستحضر، في هذا الصدد، المجهودات التي تقوم بها وزارة الصحة، من خلال تكفلها بحوالي 882 الف مريض مصاب بالسكري في مؤسسات الرعاية الصحية الأولي.
وشدد هدان على ضرورة تضافر جهود جميع الفاعلين في المجالات المرتبطة بالميدان الصحي من أجل إنشاء المزيد من المستشفيات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى توفير الدواء الكافي في الصيدليات وبأثمنة في متناول الجميع.
وبخصوص الدراسات العلمية في مجال داء السكري والمضاعفات المرتبطة به، أوضح هدان أنه لا يوجد حتى الآن علاج نهائي لداء السكري، فالأسباب الرئيسية للمرض تبقى غير معروفة ومريض السكري عليه الالتزام بالمتابعة العلاجية.
وأضاف أن أهم ما توصل إليه العلم الحديث يتمثل في اتباع نظام غذائي مناسب لمرضى السكري، خاصة المواد الغدائية ذات معامل التسكر الضعيف، واستعمال أدوية من عقار الانسولين، واستبدال البانكرياس التالفة بأخرى صالحة وذلك بواسطة نقل وزراعة خلايا جزر البانكرياس أو بانكرياس كامل جديد، أو استهداف الجهاز المناعي في محاولة لمنع حدوث المزيد من التلف في البانكرياس، خصوصا عند النوع الأول من مرض السكري المرتبط بالانسولين.
وقال إن النتائج التي توصلت إليها الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة أثبت أن الشفاء التام من مرض السكري ممكن، وأنه ليس بالشيء المستحيل، بعد زراعة الخلايا الجذعية، خاصة في المراحل الأولى لمرض السكري، كما أن جراحة تخفيف الوزن يمكن أن تساهم في توازن مرض السكري.