ازدادت منطقة الأطلس المتوسط بهاء في الأسابيع الأخيرة بعد الثلوج التي غطت مرتفعاتها، مستقطبة سياحا محليين، لكن هذه الوجهة الشهيرة للسياحة الجبلية في المغرب لم تتعافَ بعد من الركود الناجم عن جائحة كوفيد-19.
وسط غابات الأرز التي تمتزج خضرتها مع بياض الثلوج يغالب بعض المرشدين السياحيين الملل بالتجوال على أحصنتهم، في غياب السياح الذين يقبلون عادة على الاستمتاع بهدوء الغابات وهوائها المنعش فوق ظهور الخيل.
أما رشيد حميدي (34 عاما) الذي يعرض أحجارا معدنية في دكان صغير عند مدخل الغابة فيلاحظ آسفا أن “بعض السياح القلائل الذين يمرون من هنا يكتفون بالتقاط صور وينصرفون”.
ويضيف “أحيانا أعود إلى البيت من دون أن أبيع أي شيء”.
بدوره يأسف مولاي عبد الله الحريزي (55 عاما)، وهو صاحب منتجع سياحي وسط غابات الأرز بمدينة أزرو، لفقدان نحو 70 بالمئة من زبائنه، موضحا أن “توافد السياح الأجانب يظل في العادة منتظما طوال العام”.
ويقول “اليوم علينا أن نتأقلم مع سياح محليين”.
ويغلق المغرب حدوده في وجه المسافرين منذ عام للتصدي لوباء كوفيد-19، ما أثر كثيرا على قطاع السياحة، الحيوي لاقتصاد المملكة.
ويتابع الحريزي الذي غادر سويسرا حيث كان يعيش ليطلق مشروعه السياحي في أزرو “صحيح أن موقع المنطقة قرب مدن كبرى وقلة عدد الإصابات بالوباء يشجعان الناس على القدوم، لكننا لا نزال بعيدين من المستوى المطلوب”.
كذلك الشأن بالنسبة لمتحف “دار الأرز” البيئي الذي سجل “إقبالا مشجعا للسياح الأجانب على الخصوص” عند افتتاحه مطلع العام الماضي، وفق مديره يوسف محيي، قبل أن “يوقف الوباء أنشطته” التي تشمل أيضا جولات سياحية وسط الغابة ومؤتمرات حول الحفاظ على البيئة.
-“سويسرا الصغيرة”-
غير بعيد عن أزرو، تبدو أجواء الركود السياحي أقل حدة نهاية الأسبوع في مدينة إفران الواقعة على ارتفاع نحو 1800 متر. وهي المدينة التي يطلق عليها البعض تسمية “سويسرا الصغيرة” بفضل منتجعاتها السياحية ومحطة التزلج التي تحتضنها.
ويقول أيمن (30 عاما) الآتي من العاصمة الرباط “قبل الجائحة كنت أسافر تلقائيا خارج المغرب لقضاء العطل، لكنني قررت اكتشاف هذه المنطقة بسبب قيود السفر حاليا”.
ويضيف الشاب الذي يمتهن الطب “هناك الكثير مما يستحق المشاهدة في المغرب، أساهم هكذا في اقتصاد البلد المتضرر كثيرا من الأزمة”.
في نهاية الأسبوع، يُقبل الكثير من السياح المحليين على سوق المدينة الصغير ومطاعمه التي تقدم الأطباق التقليدية، وكذا المتاجر التي تعرض الألبسة الصوفية ولوازم مواجهة البرد القارس للراغبين في المغامرة وسط الجبال المحيطة بالمدينة.
بعد أشهر من الركود سجلت إفران التي تشتهر أيضا باجتذاب أبطال مغاربة وأجانب في رياضة ألعاب القوى للتداريب، إقبالا قياسيا للسياح مطلع يناير، إذ بلغت نسبة إشغال الفنادق والمنتجعات 95 في المئة.
وتقول المندوبة الجهوية للسياحة بإفران مريم وداني “هذه هي الوجهة السياحية الوحيدة التي حققت هذا الإنجاز في المغرب خلال الجائحة”.
وخصوصا أن الوصول إلى محطة التزلج في المنطقة لم يُمنع، بخلاف منتجع أوكايمدن الشهير بضواحي مراكش (جنوب) المغلق منذ أسابيع.
لكن هذا الإقبال يظل غير كاف من أجل إنقاذ الموسم السياحي في إفران، حيث تظل “المدينة فارغة خلال الأسبوع”، على ما يقول مدير أحد المطاعم.
في المقابل تبقى قردة الماكو الشهيرة بالمنطقة المستفيد الوحيد من غياب السياح، الذين يتسلى الكثير منهم بإعطائها أطعمة قد تسبب لها مشاكل صحية.
ويقول مصطفى أوكنو، الممثل المحلي لجمعية “أأب” الهولندية المتخصصة في حماية هذه الفصيلة النادرة المهددة بالانقراض “في نهاية المطاف، غياب السياح أمر جيد بالنسبة لقردة الماكو التي استطاعت العودة إلى نمط حياة طبيعي خلال الأشهر الأخيرة”.