أكد الدكتور الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية، أن وجود المغرب ضمن النطاق الأخضر للخريطة العالمية لمخاطر وباء كورونا، يعود بالأساس إلى الإجراءات الترابية القوية والاستباقية المتخذة خلال الأشهر الأخيرة، معتبرا أن هذه التدابير، شكلت صمام أمان اثبتت الدراسات أهميته، مبرزا أن التخفيف منها ممكن بشروط، وذلك من خلال التخفيف التدريجي الآمن دونما الوقوع في التسرع.
وقال الدكتور الطيب حمضي: “اذا كانت بلادنا اليوم متحكمة في الوضعية الوبائية، ومؤشراتنا الوبائية كلها خضراء، وبلادنا توجد بمن النطاق الأخضر في الخريطة العالمية لمخاطر وباء كوفيد 19، فمردُ دلك للإجراءات الترابية القوية والاستباقية التي اتخذتها بلادنا خلال الأشهر الأخيرة. بدونها لم يكن من الممكن تحقيق هدا النجاح. كثير من المواطنين يحترمون الارشادات الصحية الفردية والجماعية للوقاية من الفيروس، ويساهمون بذلك في الحد من انتشاره، لكن الكثيرين لا يبالون للأسف بهذه الإجراءات، ويساهمون في انتشار الفيروس وتعقيد مهمة محاصرة الوباء. وقرار التخفيف من التدابير هو قرار بيدنا جميعا، كلما التزمنا بالتدابير الاحترازية كلما لم تعد هناك حاجة للتدابير الترابية”.
وأضاف الباحث في السياسات والنظم الصحية: “لحسن الحظ أن بلادنا اتخذت إجراءات قوية واستباقية بفضل التدخل الملكي مبكرا، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها كذلك بلادنا في الأشهر الأخيرة، والتي أتت اكلها وأظهرت دراسة علمية”.
وتابع الطيب حمضي: “يمكننا اليوم الاعتماد على دراسة علمية نشرت مؤخرا بالمجلة العلمية المرموقة “The Lancet” بتاريخ 28 أبريل، والتي أجراها خبراء في الصحة والاقتصاد، وخلصت الى كون استراتيجية الاستباقية، والقوة في الإجراءات التقييدية واطالة مدتها حتى كسر منحنى الوباء والمسماة “استراتيجية صفر كوفيد Stratégie Zéro COVID”، تفوقت بكثير على استراتيجية التعايش مع الفيروس وتخفيف الإجراءات، ثم الاغلاق والمسماة استراتيجية التعايش أو “Stop and Go””.
وواصل حمضي: “أجرى الباحثون الدراسة على مدى سنة من تدبير جائحة كوفيد بـ37 دولة أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، منهم خمس دول (اليابان، كوريا الجنوبية، آيسلاندا، استراليا ونيوزيلاندا)، تبنت استراتيجية كسر المنحنى، وبـ32 دولة المتبقية تبنت بشكل من الاشكال استراتيجية التعايش مع الفيروس والفتح، الى ان تصل الأرقام لعدم تحمل المنظومة الصحية والاغلاق من جديد. تمت مقارنة الاستراتيجيتين من خلال أثرهما على ثلاث مؤشرات أساسية: الوفيات، الاقتصاد، والحريات”.
ولفت الدكتور الطيب حمضي: “خلصت الدراسة الى نتائج مهمة ومفاجئة للكثيرين: استراتيجية القوة والسرعة والتشديد أدت الى الوفاة 25 مرة أقل. أكثر من ذلك، هذه الاستراتيجية، التي تنعت بالصارمة، أدت الى آثار اقتصادية أكثر إيجابية من الدول التي كانت تخفف بدعوى الحفاظ على الاقتصاد! فالناتج الإجمالي المحلي PIB تأثر بشكل أقل وتحسَنَ بعد ذلك وأضحى إيجابيا بسرعة، بينما في الدول الأخرى لا زال في الأحمر ولم تتعافى اقتصاداتها بعد. كما أن الحريات الفردية بالدول الخمس تأثرت بشكل أقل من الدول الباقية”.
واستطرد الباحث: “هكذا فان الدراسة أثبتت من جديد، أن التدابير الاستباقية والسريعة والقوية والممتدة من أجل كسر المنحنى، تعمل ليس فقط على الحفاظ على الصحة وحياة الناس بل تحافظ في نفس الوقت على الدورة الاقتصادية والحريات، عكس ما كان يظنه الكثيرون من كون الحفاظ على الحياة يتعارض مع الحفاظ على الاقتصاد او يضر الحريات”.
وزاد الطيب حمظي: “بلادنا اختارت استراتيجية هي أقرب لتكسير المنحنى، وبفضل دلك نتمتع اليوم بوضعية وبائية جيدة ومستقرة (مؤشر الإصابة في 24 ساعة أقل من 1 لكل 100 ألف نسمة، معدل التكاثر أقل من 0.7، معدل ملئ أسرة الإنعاش المخصصة لكوفيد أقل من 7%، الوفيات أقل بكثير من 10 يوميا، معدل الإيجابية بين 3 و4% من التحاليل المجراة)”.
وأوضح الدكتور حمضي: “بلادنا متفوقة في تدبير حملة التلقيح المبكرة، وناجحة حيث وصلنا اليوم لتلقيح الفئات العمرية من 45 سنة فما فوق. هذا يمكن بلادنا من تخفيف التدابير الترابية بشروط: أولا التدرج الآمن ودون أي تسرع، الاحترام التام للإجراءات الاحترازية الفردية، والجماعية المنصوح بها من طرف كافة المواطنين، والمؤسسات والمقاولات، تعاون المجتمع المدني مع السلطات المحلية والأمنية، وسهر الجميع بحزم على التحسيس وعلى احترام الإجراءات الاحترازية”.
وخلص حمضي: “كل تقاعس أو تراخي، من طرف المواطن أو المقاولة، في الالتزام بشروط الوقاية سيضاعف خطر الانفلات الوبائي، ومن ثم الرجوع بقوة لتدابير تقييدية أكثر شدة وأطول مدة”.