عندما يتألق المغاربة بشجاعتهم وإبداعهم وفكرهم

عرف المغاربة المقيمون في إيطاليا خلال هذه السنة التي هي على وشك الانتهاء، تألقا في مختلف المجالات مما أثار اهتمام السلطات، وفضول المجتمع المدني وثناء وسائل الاعلام المحلية.
سنذكر طويلا تفاني ذلك المغربي الذي ارتمى في المياه الباردة لنهر في فلورنسا لإنقاذ حياة سائح فرنسي، وكذا مواطنيه الاثنين اللذين خاطرا بحياتهما، في مدينة في الشمال، لإنقاذ حياة اثنين من كبار السن اللذين كانا يواجهان الموت إبان اندلاع حريق في منزلهما، ثم الأداء المتميز لذلك المغربي في مدينة تورينو التي جعلت منه مادة دسمة للصحف نظرا لكونه يشكل نموذجا ” للاندماج الناجح” حيث تمكن من تمويل دراساته الخاصة من خلال بيع المناديل في الشارع.
سنتذكر أيضا بكل تأثر ذلك الشاب المغربي المنحدر من مدينة بني ملال الذي تم اختياره ” رجل أعمال للسنة بالنسبة للمهاجرين ”، أو سعادة ذلك الفنان المنتمي إلى مدينة فاس وهو يتلقى بمدينة البندقية جائزة “ماركو بولو الدولية – سفير الفن ” أو مجموعة المغربيات اللائي جئن إلى معرض أكسبو ميلانو 2015 لتمثيل ” النساء المغربيات العاملات في مجال النسيج على مر الزمن” وهو المشروع الذي فاز بمنافسة ،” الطاقة والفنون والاستدامة من أجل أفريقيا”.
إنها مبادرات متعددة تمكن المغاربة خلالها من التألق بفضل شجاعتهم، ونكران الذات في مجال عملهم وإبداعهم مما جعل بلدهم يتصدر الأخبار في إيطاليا خلال هذه السنة التي تميزت أيضا بتنظيم عدة لقاءات ومؤتمرات شارك فيها مثقفون مغاربة من أجل تعريف بكيفية أفضل الرأي العام المحلي بالعديد من القضايا التي تهم هذه المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار وانعدام الأمن.
في هذا السياق، فإننا سنتذكر الندوة التي نشطها في مدينة تورينو الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أحمد العبادي، حول الحقل الديني في المغرب، الذي يقوم الملك محمد السادس ب” إصلاحه بشكل عميق” منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين.
وقد سلط السيد العبادي الضوء خلال هذه الندوة التي تابعها باهتمام كبير إيطاليون ومغاربة يعيشون في مختلف مناطق شمال البلاد، على “سياسة المغرب في مجال التدبير الديني ” و ” الحوار بين الأديان”.
وأكد أنه منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، شرع المغرب في تفكيك، بشكل منهجي وبتأني، مجموعة الأطروحات الإيديولوجية المتطرفة الخاطئة التي تتبناها المجموعات المتطرفة من أجل فهم أفضل وبالتالي مكافحة بعض الظواهر التي تولد العنف والتطرف الديني.
وأوضح كذلك أن المقاربة المغربية في مجال الحقل الديني تكتسب قوتها وأهميتها من مبادئ وتعاليم الإسلام الحقيقية، مع الأخذ بعين الاعتبار النص والسياق، و ذلك بعيدا عن أي تلاعب أو استغلال سياسي، مشيرا الى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحصين المجتمع ضد جميع أشكال الأصولية والتطرف.
وقبل ذلك ببضعة أشهر، سار الكاتب المغربي الطاهر بن جلون في نفس الاتجاه حيث دعا من روما إلى عدم الخلط بين الإسلام، دين السلام والتسامح، والإيديولوجيات العنيفة التي تتبناها الجماعات الإرهابية، في تجاهل صارخ للحق في الحياة والكرامة الإنسانية.
وقد أبرز السيد بن جلون، الذي قدم كتابه ” حول الإسلام المثير للخوف”، “القضايا الرئيسية” التي تؤثر حاليا على العالم الإسلامي والمخاوف التي يثيرها في الغرب، داعيا على وجه الخصوص إلى التمييز بين “الإسلام الحقيقي” و “الأيديولوجية العنيفة والدموية” التي تتبناها الجماعات المتعصبة.

ودعا إلى “قراءة ذكية للقرآن الكريم” بدلا من جعل هذا الكتاب المقدس أداة لأيديولوجية “تحرض على العنف وتكرس الجهل” مشيرا إلى أنه سعى، من خلال عمله، إلى تقديم بعض الإجابات على الأسئلة التي تواجه حاليا الغرب، من خلال حوار مفترض مع ابنته الفرنسية ذات الأصول المسلمة.

وحمل الكاتب، الذي أشار إلى الاستنكار الواسع الذي عبرت عنه الدول العربية المعتدلة، وعلى رأسها المغرب، اتجاه ” التطرف الديني الذي يخالف العقيدة الإسلامية “، المسؤولية عما يحدث في الشرق العربي لأطرف عربية وغربية على حد سواء مشيرا إلى أن الغرب غالبا ما يكون “غير مبال بمعاناة المهاجرين، من الجيل الأول والثاني، المقيمين في مختلف مدنهم ” .

وشكلت الدعوة، حسب ما جاء في موقع”أحداث أنفو”، إلى تجنب الخلط محور المؤلف الجماعي بعنوان “ما نحن” الذي جمع ” ردود فعل ” نحو ثلاثين من المثقفين المغاربة عقب الهجوم الذي وقع في يناير الماضي، ضد مقر الأسبوعية الفرنسية “شارلي ابدو”، والذي فاز بالجائزة الدولية “سيتا دي كاستيلو” (وسط إيطاليا).

ويجمع الكتاب الصادر عن دار النشر “مفترق الطرق”، والذي حاز على إعجاب القراء الايطاليين، أفكار وآراء مختلفة للعديد من المثقفين المغاربة وغيرهم حول ظاهرة الإرهاب.

ويحذر الكتاب من الظلامية والخلط الذي يؤدي إلى معاداة الاسلام، وفقا للكاتبة المغربية، السيدة الأزمي التي شاركت في هذا العمل، معربة عن سعادتها لكون هذا العمل تمكن من جذب الاهتمام من خارج الحدود خاصة في إيطاليا.

وقالت إن مؤلفي الكتاب بسطوا آرائهم حول عدد القضايا التي تؤدي في كثير من الأحيان الى انعدام معرفة الآخرين وثقافتهم، مشيرة إلى أن الكتاب يسلط الضوء على ضرورة العيش معا، والحياة معا، وإلى حوار دائم بين الثقافات والأديان.

وعبر الكتاب عن إدانته الكاملة والقاطعة للهجمات الإرهابية في باريس، مشيرين إلى ضرورة تجنب الخلط الذي غالبا ما ينجم عن سوء فهم لثقافة الآخر.

وفي شهر ماي الماضي، ناقش مجموعة من الجامعيين المغاربة والأجانب المختصين في مجال الفكر العربي الإسلامي أعمال الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري في ندوة عقدت في جامعة ” لويس” المرموقة بروما.

وأبرز المشاركون في هذه الندوة التي نظمت تحت عنوان ” الجابري ومستقبل الربيع العربي: الإسلام والدولة والحداثة ”، مساهمة المرحوم الجابري التي ” أثرت المعرفة والبحوث العميقة في مجال فهم أفضل لبنيات الفكر العربي الاسلامي في الماضي والحاضر “.

ورأى المتدخلون في هذه الندوة أن أعمال الجابري ” تسعى الى إجراء إصلاح جذري لمنظومة الفكر في المجتمعات العربية والاسلامية على أساس عقلاني ، والدعوة وإلى إبراز الحداثة والإنسانية فيه ”.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة