منذ تسجيل أول وفاة بكورونا في 11 يناير 2020، تسببت جائحة كوفيد-19 في موجة استثنائية من القيود وبتراجع الحريات العامة، وهو أمر كان من الصعب حتى ذلك الحين تصوره في البلدان الديموقراطية.
في نهاية العام 2020، وبهدف تبرير القيود الصحية التي فرضها في بلاده، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “اعتدنا مع الوقت على أن نكون مجتمعا من الأفراد الأحرار، نحن أمة من المواطنين المتضامنين”. وبعد عام، تحمل مسؤولية الانتقال إلى “مجتمع دائم اليقظة”.
وتوضح هذه الآراء التي أدلى بها زعيم واحدة من أبرز الدول الديموقراطية في العالم، إلى أي مدى ساهمت الأزمة الصحية في تقبل فرض قيود واسعة على الحريات.
ومنذ بداية الجائحة، فرض العديد من البلدان عمليات إغلاق أو حظر تجول، ما أجبر سكانها على البقاء في منازلهم بشكل أكثر أو أقل صرامة.
وفي العام 2021، ظهر نوع آخر من القيود: الشهادة الصحية التي تفيد بأن حاملها تلقى اللقاح أو خضع لاختبار سلبي بكوفيد، والتي أصبحت إلزامية لدخول أماكن مختلفة مثل المطاعم ودور السينما.
وتبنت بعض الدول، مثل أستراليا والصين، استراتيجية “صفر كوفيد” التي، لتجنب أي انتشار الفيروس، تفترض العودة المنتظمة إلى عمليات الإغلاق فضلا عن حجر صحي مشدد.
وكل هذه الإجراءات لها ما يبررها من الناحية الصحية. فالسويد التي فرضت إجراءات أقل صرامة، سجّلت معدل وفيات مرتبطا بكوفيد أعلى من الدول الإسكندنافية المجاورة الأخرى.
والبلدان التي تبنت استراتيجية “صفر كوفيد” لديها عدد محدود من الوفيات، رغم أن استراتيجيتها لم تتمكن من منع انتشار متحورات أخرى من الفيروس، مثل دلتا وأوميكرون.
وفي البداية، حصلت القيود الصحية على دعم واسع من السكان في مواجهة الخطر الوشيك الناجم عن المرض: أودى كوفيد-19 بحياة ما لا يقل عن 5,5 ملايين شخص في غضون عامين، وفق البيانات الرسمية، وهي حصيلة قد تكون أعلى بمرتين أو ثلاث وفق منظمة الصحة العالمية.
لكن ذلك الدعم ضعف بمرور الوقت، كما يتضح من الاحتجاجات الكبيرة في فرنسا وهولندا على القيود الصحية، أو من خلال بعض النتائج الانتخابية.
ففي ألمانيا، حصل الحزب الديموقراطي الحر الذي كان متراجعا في استطلاعات الرأي عند بداية الوباء، على نتيجة جيدة في الانتخابات التشريعية التي نظمت في خريف 2021، ليحل ثالثا بعدما روج للدفاع عن الحريات العامة رغم الأزمة الصحية.
اختلافات بين الدول
ورغم العودة إلى الوضع السابق، قد تكون العواقب مستدامة في ما يتعلق بالديموقراطية، وفقا لمنظمات حقوقية عدة.
وحذرت منظمة “فريدوم هاوس” الأميركية غير الحكومية التي تعد كل عام جدولا للديموقراطية في كل بلد، من أن التراجع في الحريات “من المرجح أن يستمر عندما تهدأ الأزمة الصحية، لأنه سيكون من الصعب التراجع عن القوانين والقواعد المطبقة”.
وأشارت المنظمة غير الحكومية التي استنكرت تراجع الديموقراطية والحريات في 80 بلدا، في أكتوبر 2020، إلى أن الأزمة الصحية سرعت ميلا استبداديا كان قد بدأ في بعض البلدان. وذكرت سريلانكا على وجه الخصوص التي، بحسب المنظمة، عاقبت سلطاتها أي انتقاد للخطاب الرسمي حول الوباء الذي استغلته لمهاجمة الأقلية المسلمة تحت ذرائع صحية.
ومع ذلك، يجب أن نقيس الانطباع بوجود تراجع عام للحرية في الديموقراطيات وفي الأنظمة الاستبدادية، بدقة. وفي الواقع، شهدت القيود الصحية اختلافات كبيرة بين بلد وآخر.
وقال راوول ماغني-بيرتو الأستاذ في العلوم السياسية في معهد غرونوبل للدراسات السياسية لوكالة فرانس برس إنه “في أوروبا، فرضت الدول الشرقية قيودا قاسية. لكن فرنسا، في الغرب، كانت الأكثر تشددا”.
وبالتعاون مع باحثين آخرين، راجع راوول الإجراءات المتخذة في حوالى 40 بلدا أوروبيا وفقا لدرجة صرامتها، بغض النظر عن الحزب الحاكم أو مدى سوء الوضع الصحي فيها.
واتضح أن هناك عاملين يصاحبان الاحترام الأكبر للحريات. أولاً، ماض ديموقراطي غير منقطع لأكثر من قرن، كما هي الحال في بريطانيا وسويسرا.
وثانيا، تميل القيود إلى أن تكون أخفّ في البلدان التي يصعب فيها فرض قرارات سياسية بشكل أحادي الجانب.
وقال ماغني-بيرتو إن “الفكرة هي عدد الأشخاص الذين يجب التفاوض معهم”.
وهي إما دول فدرالية مثل ألمانيا، أو أنظمة سياسية نسبية حيث تجمع الحكومات ائتلافات مختلفة. وهذه هي الحال في هولندا، حتى لو كانت قد أقرت لتوها قيودا مشددة في مواجهة انتشار المتحورة أوميكرون.