سجل النائب عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، الاثنين، في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، حول موضوع “الثقافة”، جملة من الملاحظات ، مطالبا في نفس الوقت باستحضار في مقاربة السؤال الثقافي التوجهات الملكية ذات البعد الاستراتيجي.
في هذا الإطار، ذكر شهيد بالخطاب التاريخي للملك محمد السادس، في أجدير، والذي تبنى رؤية متجددة للهوية المغربية، تقر بكل مقومات التاريخ الجماعي المغربي وتدمج الروافد المتعددة المشكلة للهوية الثقافية الوطنية، بما في ذلك الأمازيغية التي اعتبرها جلالته ملكا لكل المغاربة بدون استثناء، ومكونا ثقافيا أساسيا في المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.
وأضاف شهيد: “بفضل المبادرات الملكية الحكيمة، حققت بلادنا خلال المرحلة الفارطة مكتسـبات مهمـة فـي المجال الثقافي والإبداعي، وخاصة البنيات الثقافية الكبرى التي تم تشييدها من قبيل المكتبـة الوطنيـة للمملكـة المغربيـة ومتحـف محمـد السـادس للفـن الحديـث والمعاصـر وأرشيف المغرب وتأهيل المدن العتيقة والمسرح الكبير للرباط ومسرح محمد السادس بوجدة ومسرح طنجـة الكبيـر والمسـرح الكبيـر للـدار البيضـاء وغيرها. وهو ما يفرض على الحكومة وضع برنامج متكامل لاستغلالها، مع توفير الموارد المالية وتكوين الأطر والكفاءات الثقافية الضرورية لتنشيطها بشكل مستمر”.
وتابع رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب: “تمكنت بلادنا من تحقيق تحول مهم في مسارها الثقافي باعتماد دستور 2011 الذي أكد على تشبث المملكة المغربية “بصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”. وشدد على “تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”. كما اعتبر، في فصله الأول، الوحدة الوطنية المتعددة الروافد من الثوابت الجامعة التي تستند إليها الأمة المغربية في حياتها العامة”.
وزاد شهيد: “وإعمالا لهذه المقتضيات، لا بد من الحرص في السياسة العمومية الثقافية على المقاربة المتوازنة في التعاطي مع كل مكونات الهوية الوطنية، وبنفس الطريقة مع كل الروافد الثقافية: العربية الإسلامية، الأمازيغية، الصحراوية الحسانية، الإفريقية، الأندلسية، العبرية والمتوسطية”.
من جهة أخرى، يضيف عبد الرحيم شهيد: “علينا استحضار الاختيار الاستراتيجي الثالث الذي حدده التقرير العام للنموذج التنموي الجديد، والمتمثل في النهوض بالتنوع الثقافي وجعل الثقافة رهانا عالميا بالغ الأهمية في مجال الصعود الاقتصادي والسيادة. فقد دعا إلى جعل الثقافة موردا للنمو والاستثمار والتشغيل، وتشجيع المبادرات الصاعدة والابتكارات والمقترحات الصادرة عن كل الفاعلين في الحقل الثقافي. كما أكد على تثمين التراث الثقافي المحلي، والمحافظة على الموروث الوطني والتراث اللامادي، وتشجيع السياحة الثقافية”.
وتابع: “من الضروري تبني رؤية استراتيجية واضحة المعالم في المجال الثقافي. فقد اكتفت الحكومة بتقديم برامج وإجراءات محدودة على المدى القريب. والحال أننا في أمس الحاجة إلى استراتيجية شاملة، متوسطة وبعيدة المدى، تقطع مع المشاريع الثقافية الظرفية والمنهجية الانتقائية التي تفاضل بين الحقول الثقافية والفنية. كل وزير للثقافة يأتي ليعطي الأفضلية لقطاع على حساب باقي القطاعات، منهم من يفضل المجال السينمائي، ومنهم من يفضل الحقل المسرحي ومنهم من يعطي الأسبقية لصناعة الكتاب. لكن ما أحوجنا إلى التعامل مع كل المجالات الفنية والثقافية بالإنصاف والمساواة”.
وواصل المتحدث: “إننا، في الفريق الاشتراكي، ندعو إلى فتح حوار وطني حول الثقافة يقوم بتحيين المعطيات المتعلقة بالشأن الثقافي على ضوء تداعيات الجائحة، وتنبثق عنه المحددات الكبرى للسياسة العمومية. فلا يعقل أن تنسحب الحكومات المتعاقبة من فضاءات النقاش العمومي، وأن يظل رصيدنا الوطني متوقفا في ثلاث مناظرات حول الثقافة المغربية الأولى سنة 1986 والثانية سنة 1992 من تنظيم وزارة الثقافة، والثالثة سنة 2015 من تنظيم اتحاد كتاب المغرب، الفاعل الثقافي التاريخي الوازن، الذي نستغرب عدم استقباله إلى اليوم من طرف السيد وزير الثقافة رغم استقباله للعديد من الجمعيات الثقافية المختلفة”.
في نفس الاتجاه، دعا شهيد أن تبادر وزارة الثقافة بشراكة مع اتحاد كتاب المغرب ومختلف الفاعلين المعنيين إلى تنظيم دورة جديدة للمناظرة الوطنية حول الثقافة المغربية، معتبرا أن الثقافة المغربية، في لحظة التحول التنموي، لا تحتاج إلى الاكتفاء بإجراءات معزولة بعضها عن بعض كما ورد في البرنامج الحكومي وقانون المالية لسنة 2022.
وذكر شهيد رئيس الحكومة، بالتزام الحكومة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال إحداث صندوق خاص لها، رافضا أن يكون حل معضلات المجال الثقافي متوقف على الموارد المالية فقط.
وأضاف: “الميزانيات مهمة لدعم الثقافة الوطنية، لكن الأهم هو الإرادة السياسية والجرأة الواضحة في أجرأة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. الأهم هو تأطير الموارد البشرية المؤهلة لتدريس الأمازيغية وتوظيفها لهذا الغرض، لا أن يتم توجيهها إلى تدريس مواد أخرى لا علاقة لها بها، وهو ما نسجله للأسف في العديد من المؤسسات التعليمية”.